فلسفة الجمال..

البحث في مفهوم الجمال أمر مُعقّد ومُتعدد الأوجه، ويشمل الكثير من وجهات النظر والأفكار، ولا يزال مبحث الجمال مهمًا وحيوي في الفلسفة مُنذ سُقراط حتى وصولنا للفلسفة المُعاصرة. وله الكثير من الآثار على فهمنا للفن بأنواعه كالموسيقى والرسم باعتبارهما مظهر من مظاهر التجربة الإنسانية.

فلسفة الجمال تُحاول الإجابة على أسئلة هامة مثل: ما هو الجمال؟ وما دور الجمال وتأثيره على حياتنا؟ وهل الجمال موضوعي أم ذاتي؟ وكيف نُدرك الجمال؟

من الصعب تحديد تعريف للجمال، لأن الإنسان يصف ما يُعجبه ويُرضيه بأنه جميل. والجمال بهذا المفهوم يكون تابع في تعريفه للمُدرِك والذوق الخاص.

ولَمَّا كان الإدراك أمر ذاتي يختلف من إنسان لآخر، فإنه من المنطقي يختلف تعريف الجمال من شخص لآخر. وقد تتقارب المفاهيم بتقارب الثقافة، وتتسع باتساعها.

كما يختلف تعريف الجمال باختلاف ذوق الفرد، ويتعدد التعريف بتعدد الأفراد. فقد يرى البدوي جمالاً في الصحراء يراها المدني قسوة، ويرى الريفي جمالاً في الحياة الزراعية لا يراها البدوي.

 وتلعب الثقافة والنشأة والأفكار دوراً كبيراً في تحديد أي مفهوم لموضوع نظري. لهذا اختلف الفلاسفة في تعريفهم للجمال والحق والأخلاق. ووضع كل منهم نظريته الخاصة عن هذه الموضوعات.

 ولهذه الأسباب الحاكمة على إدراكنا للجمال شكك الفيلسوف الفرنسي “فولتير” في جدوى البحث في الجمال، وقال في قاموسه الفلسفي: إسأل ضفدعاً عن الجمال فسيجيبك بأنه أُنثاه.

أمَّا أفلاطون فيربط الجمال بالكمال، والكمال بعالم مِثالي طرح تصوراته عنه في نظرية المُثُل خاصته. ويتجلى هذا الجمال من عالم المُثُل في أعمال الفنان الكامل والفيلسوف الذي يسلك طريق المعرفة عن طريق العقل وصولًا للمعرفة الحقيقة – في رأي أفلاطون – عن طريق الإلهام القلبي.

ويقترب الفيلسوف الألماني “هيجل” من رأى أفلاطون في الجمال، فيعتبر هيجل الجمال وسيلة للوصول لأقصى معرفة في فهم الوجود. وهذا لن يحدث – في رأي أفلاطون – إلَّا بالإلهام، ولا يُلغي أفلاطون عمل العقل، بل اعتبره درجة من درجات الوصول للحقيقة، والحقيقة عند أفلاطون تتجلى كإلهام نور يتجلى على القلب فنُدرك الجمال الحقيقي. وبهذا المعنى يكون الجمال الحقيقي عند أفلاطون مُتجاوز لعالم المادة المحسوس.

وعلى درب أفلاطون سار أكثر الفلاسفة تأثيراً في الفلسفة الغربية “إيمانويل كانط”، ولم يبتعد كانط كثيراً عن أفلاطون في تجاوز ماهية الجمال لعالمنا المادي. واعتبر “كانط” في كتابه “نقد ملكة الحكم” أن الحكم الجمالي على الشيئ سواء أكان طبيعيًا أو فنيًا يكون من خلال مبدأين هما “اللذة والألم”، وهو بهذا المعنى يكون الحكم بالجمال خاضع للذوق الخاص وليس حكمًا معرفيًا أو منطقيًا، بل حكمًا ذاتيًا. فكلما وجدت لذة يكون مؤشر للجمال، وكلما وجدت ألم يكون مؤشر عن عدم وجود جمال. لكن اللذة والألم الذي يقصدهما كانط هم بالطبيعي النافع غير الضار.

رغم أن الفلاسفة اختلفوا في الجمال من حيث ماهيته وناحيته الغائية، وظهر ذلك في اشتراط “سقراط” أن تكون النفعية والمصلحة مُصاحبة للجمال كشرط غير مُنفصل. إلَّا أنه ثَمَّة إجماع بينهم على أن الجمال مبحث غير موضوعي إبتداءًا.

مبحث الجمال لن نوفيه حقه في مقال أو أكثر، فهو مبحث شغل عقل الفلاسفة والمُفكرين مُنذ القِدَم.

لكن يُمكن وضع إطار عام للجمال وليس تعريفًا مُحدّدًا. ونرى أن الجمال متجاوز لكل موضوع مُجرّد، ونعتبره ذاتيًا يرتبط بالمُدرِك وتحصيله المعرفي، وهو بهذا الإطار يكون صفة تكتمل بها الأشياء لدرجة قد تصل إلى حد الكمال من الناحية النظرية. وعلى عكس “كانط” في اعتباره الجمال ذاتيًا محضًا غير موضوعي، إننا نعتبر الجمال ذاتيًا إبتداءًا، لكن يُمكن أن يكون موضوعيًا إذا تمثَّل في شيئ، فكل التحصيل المعرفي والمشاعر والانفعالات الإنسانية يُمكن لها أن تتمثل في شيئ أو أكثر، وهي في هذه الحالة تكون أظهرت نفسها كظواهرية لما هو كان غير ملموس ثم تم إدراكه بعد تمثُّله. ولعل ذلك يُفسّر تجارب المتصوفة واعتبارهم الجمال تجلى إلهي متجاوز لعالمنا في ماهيته، مُتجليًا فيه.

زبدة القول وخلاصته: نرى أن الجمال كماهية متجاوز عالم المادة، ونُدركه ذاتيًا، ويختلف إدراكنا للجمال باختلاف ثقافتنا ومبادئنا وتحصيلنا المعرفي وأهدافنا. ويستحيل وضع مفهوم أو تعريف محدد للجمال دون الأخذ في الاعتبار، المبحث الأخلاقي.

 حازم منسي- جمهورية مصر

محامي و باحث فى الفلسفة و مقارنة الأديان

اترك ردّاً