معمارية العدم

ليس لدي أسئلة ،
وأنا ليس لدي أجوبة،
إذاً ، سنترك الدموع تسّاقط من علامات الاستفهام ،
ولا بأس ان يسقط الأبرياء ، ما دام كل الكلام ، “سيُظهر ” كم أذرع الأخطبوط واقفة بين المعرفة العميقة ، والأزقّة العميقة ، وإن ذهبت أقدامنا ، تبحث عن لحظة مناسبة ، اسميّها الرحيل .
نحن الآن في اللحظة الأخيرة من رقصتنا الأخيرة مع
المقبرة ، وعقولنا في إقامتها الجبريّة ، ولاتزال ، يقول وول سونيكا : إننا نستخدم ادمغتنا أحذية لهم .
يعني أننا سنظل تحت عباءة الشبح إلى يوم القيامة .
هل حقاً ، لولا أمريكا لأكل العالم العالم ؟ ثمّة من يستمتع هذه الأيام بأدوات الهاوية ، لأن البقاء العظيم هو بين الفراغ والفراغ ، وإن التركيبة اللغوية التي تلازمنا ، هي ” عقلنة اللامعقول ” كما قال ذات يوم عبد الله العروي .
هي أصواتنا إذاً التي تقودنا بخطًّ مستقيم إلى الخطيئة وإن غموضا الدافئ ، يتعرّف في كل لحظة على صانعي الأمل ، لأنها تنطلق من أرجاء أجسادنا .
الغبار العربي ، يبتلعنا قطعة قطعة ، إنه الوجه الآخر للثقافة العربية ، ولا أحد منّا خشيَ أن ينتقل من النص المقدس.. الذي يفترض أن يكون بديهياً ، حين تكون بدائيتنا خائفة من السقوط ، أو لنكون أبناء اللحظة التي تساوت بنيوياً مع العار !
استراتيجياً ، نحن الآن ما وراء العصر ، والعواصم العربية يتم تسويقها كمدافن للسلالات ، وأيضاً قضايانا في أقصى حدودها ، ليست أكثر من حقنة دمّ داخل هياكلنا العظمية .
ماذا لو أحصينا عدد الجثث ، والشوارع العمودية ،
والقصور المعتمة ، وأرصفة التسوّل ، والقمصان المطبّعة
بصور جيفارا ، ويوسف العظمة ، وجول جمّال ،
وجمال عبد الناصر ، وطارق بن زياد ، وصقر قريش وصلاح الدين الأيوبي ، ومزارع الحليب الطازج ، ومطابع الكتب، وجامعة الدول العربية ، وكتب تفسير الأحلام ؛
ماذا لو تذكّرنا أيضاً ، غرف نومنا ، وغرف نومهم ، والقبلات الفارعة الطول ، وقصائد الشعر العربية القحّة التي أودت بنا إلى المجهول .. وجلسنا لحظة فقط ، أمام السيدة الأندلس ، وحاورناها “عن” عبقرية هزّ البطن ، واللحظات المقدّسة ، بين صراعنا على الهوية ، وأطباقنا الملأى بالحصى الخشن .
هل من أحد يأبه بالحاكم العربي، حين يتحدّث مثلاً عن الثقافة المعذّبة لدى الصهاينة ، في حين يسمح ” لنفسه ” بعسكرة الأرواح ، ويتمايل على أي صوت تحمله الذئاب دفاعاً عن الهيكل ؟! مع أن حاخامات ، وكتاب ، وفلاسفة ، وحتى ساسة من النوع الرديء ، تقول عياناً بياناً ، هذا هو خيارنا الدونكيشوتي ، لحمايتنا من الأزمنة القاحلة .
لا غرابة في العربي الأخير أن يعمد إلى تأويل البربرية
أو الفلسفة المشرّدة ، في إنتاج اشكالية أخلاقية تربطنا
جميعاً دون استثناء بالمهارات المفتوحة على أسوأ الأوقات الباهرة !
هل نأتي بأشلاء العربي ، من كل أصقاع الدنيا ليقف إلى جانب الموت ؟
يبدو أن الحقيقة لا تحتاج إلى مهرجين ، لأن هناك من لديه القدرة على وضعنا خارج الأزمنة ” لننام ملء عيوننا عن شواردها ” ما دمنا نحفظ عن ظهر قلب كلام التوراة الذي صار يسوقنا بالعصا العمياء ؛ ومن السذاجة أن نلامس حتى ولو عراة ، استخدام إمكاناتنا لتعرية عظامنا ؟.
يقول غونتر غراس : صاحب طبل الصفيح وجائزة نوبل
ستأتي لحظة على الإنسانية ، يتم تفريغها من ذلك المقدس الذي يدّعي الإنسان ، وها نحن أكثر شعوب الأرض تواطئأً ، وبعثرة ضد الأمام والحداثة، بل وضد اللحظة الإلهية التي أخشى أن تتبعثر أيضاً ، بفعل ما يعتري العربي في داخله وخارجه ، والتقوقع هكذا ، لصياغة بنى ثقافية ، على الأقل ، ونقول أمام لاوعينا هذه هي النتيجة ، وعلينا بعدها أن نغتسل بالأنين ، لنظل كحالةٍ نادرة في منصف الطريق .
هل من إمكانية أحدنا أن يجري حواراً في العالم الآخر مع أجدادنا ، وآبائنا ، وشعرائنا ، وفلاسفتنا ، وكتاب مقاماتنا ، للحديث عن عَظَمَة هذه الأمة التي لم تنتج حتى هذه اللحظة ، سوى ثقافة الحثالة ، ولماذا أصبحنا جثثاً ،ونحمل جثثاَ ، وننقيّأ الجثث ، وإن الهذيان هو المنطق الوحيد الذي سوّلت له نفسه كي يكون من ذوي الإجابات الصارخة ، وإن ضوء القمر الذي ألفناه ، هو الآن في الأقبية، ولا أحد ينصت إلينا سوى جذوة في العدم !
إلى أين يمضي بنا ، الذين يزجّون البلاد في التشرذم ، وفي التيّه ، والبعثرة حتى الإلغاء .
هل يكفي الجغرافيا العربية الرقص على حافة الهاوية ، وكأن المشهد الذي في الأفق ، لا يكفي كي تتوقف استراتيجية الصراخ ، والارتباط طرداً في المنابر ، والأدعية .. حيث العربات الإلهية جاهزة لتأخذنا إلى كهنة الفساد ، والقمع ، والغطرسة ؛ وهم يصولون ويجولون فوق أحلامهم، لنستردّ شكل الأحذية التي وطئت أحلامنا ، لئلّا نفتح ولو ثغرة صغيرة في المستقبل ، أو في حائط المستقبل . . طبعاً لنستذكر الماضي الذي أوصلنا، بل ” إنه ” أوصلنا إلى ما هو أشد هولاً بكثير .
لا شكَ ، لدينا بقايا هولاكو على كتفي الدونكيشوت العربي ، والوصول الهائل في كيفية نهب المال العام ، واقتناء القصور في ما وراء البحار ، ولم يُرغَم لا على الاستقالة ، ولا على الانتحار ، هذا إذا كانت لديه ذرة من الكبرياء العربي والكرامة العربية التي تدار بهلوانياً ولا أحد يعرف أيضاً أن يجرّنا البهلوان ، وكان عليه الإقامة أو النوم في المقبرة ، أو في المنفى، أو وراء القضبان ، على أن يظل في هذا العار الذي يتوزّع بين النفط ، وبين والحقيقة ، وإنها الغنيمة التي ستحافظ عليها السيدة أمريكا .. ولا يقول إنها الأيدي القبيحة الملطخة المتورطة التي جرّتنا إلى القاع السحيق .
أتساءل: هل العربي الذي لا يستطيع أن يحرّك ساكناّ ،
يستطيع أن يتحرّك ويلمّ شمله أمام لامعناه ؟
تسويات استراتيجية لظهرهِ الممتلئ بالنتوءات المعقّدة
للبحث عن مواقف “ما ” لأحواله التي تجاوزت عملية
التطور الأكثر قسوة من البحث عن مفرمة بطيئة لثروته
الجافة والمجفّفة التي تتمحور فقط ، حول ميكانيكية
البقاء.. الشديدة الغموض ، والسريعة الزوال .
ببساطة اقول : ما دامت تكنولوجيا القبائل، وحداثة
الخيام العربية ، واحتياطها النقديّ الذي يفوق الخيال
يتثاءب فوق أرصفة العصر ، ولا خطة ، أو استراتيجية
لكي نعيش في هذا القرن ، للخروج ولو لبرهة من جلودنا ؛ بل التيّه الذي ” يذهب ” بنا ، ويهيم بنا في كلّ الاتجاهات ، باستثناء واحد هو المستقبل .
هناك من يطالب الإنسان العربي وبشكل بسيط جداً ،
التوازن بين الذات والواقع، وهي أيديولوجيا عقيمة تماماً ، والبقاء في واقعيتنا التافهة ، لعلنا نستعيد حيوية التعاطي مع الزمن، بدلاً من النفاق ، والتغيرات السياسية وكأن الزمن العربي يمشي على الحطب ، لنختبر بكل حماقة نشأتنا الأولى الموازية لنشأة العدم.. بل نشأة الضياع!
إنها الزلازل القبيحة التي تجتاحنا ، لتزلزل وتشتّت عِظامنا ، مع انّ منطق الصدفة الذي نتذرّع به يقول : بضرورة بقائنا على الأقل، للخروج من هذه الضوضاء اللغوية ، ونتشبّث بأنظمة عربية قحّة ، تجيد تأليف الفولكلور الخاص بها ، بمحاذاة خطّ البكاء ، أو الانتقال من خراب إلى خراب إلى خراب !
بين الحين والحين ، تظهر علينا السيدة أمريكا ، وتصنّفنا بالقادمين من العدم ، وعليها تنظيم دقات قلوبنا ، لنذهب حفاة إلى أضرحة ولاتنا بأقدام بهلوانية تتعثّر بالنداءات ، والاستغاثات ، وندب الصدور ، ومباركة حجارة الهيكل ، ولا مواطئ لأقدامنا حتى على تخوم النار !
العرب إذاً ، من المحيط إلى الخليج الثاثر، مثل شريط
حدوديّ ، لحاخامات القرن ، وإن السيد العار ، يشكرنا على الوقوف احتراماً ، ويدعونا إلى الجلوس هنيهة فقط من أجل الوصول إلى نهاية الرهان ؛ نفتح أفواهنا وننادي : من يشتري المجهول الذي بحوزتنا ، لأن الالتباس هو جزء من السفر إلى غابة الصراخ ، وكأن الحاكم العربي القليل ، هو المستقبل ، باعتباره أكثر شفافية، وأكثر تأثّراً في بنيتنا الثقافية، والمعرفية ، ولا يدري أن يفكّر ويعيش في عشوائية المكان ، ولا فرق عنده بين الملائكة ، وقطاع الطرق !
الضمير العربي حين يصرخ . هل يستطيع التوقف عن الصراخ ؟ رغم أننا جميعاً نتساءل : ماذا يفعل الضعفاء وهم يعيشون في عشوائية المكان والزمان؟ وإنّ ما تبقّى لدينا ، يتدحرج في وهِادنا ، لنتبادل أقراصاً مهدّئة ونقف وراء لغتنا التي تهلهلت وراء جَلَبَةالحطام .
ولطالما استسلمنا إلى لعبة ” الظلام ” ولسنا بحاجة إلى تبادل أدوار الدمى الباهتة ، ثم قراءة ما تيسّر لنا في كيفية امتلاء الأفواه ، والوجوه ، بثقافة الموتى ونصرّ أن المقبرة لا تملك ( لا مواقف ولا مخاطبات ) كي تتخلّص من براثن العناكب التي احترفت تصنيع الآلهة ، وهي بالكاد تستطيع صناعة أرصفة الخبز لشعوبها .
لا مسافة إذاً بين أقدامنا الزجاجية الهشّة ، وبين إنتاج المعجزات الفولكلورية ، حين لم يظل من ترابنا غير
السقوط المريع ، والأدعية التي سيجّنا بها مضاربنا ، ولا
أحد يكتب كيف نمشي القهقرى ؛ جثثنا ، وجثث أهلنا ،
تنتظر أن ترتدي لباس رعاة البقر .
لم يبق شيء في أيدينا ، لا حاتم الطائي ، ولا تأبّط شرّاً
ولا لدينا أمكنة لتكون مقابر لطحن دمائنا ، لنكتشف أننا كائنات ليست مسؤولة عن آثامها، مع أن كل شعوب الأرض ، تعي أن دويّ التراب يجري في دمائنا منذ أن خُلق الازل !
بالتأكيد بلاد العرب أصبحت مستودعاً للمومياءات ، بل
لأولئك الذين ارتدوا ملابسهم القشيبة وهم يستمعون
إلى معنى كلمة ” جدلية الزمن ” وفي النهاية يقتفون أثر أقدامهم الميتة .
فالغرب الذي أعطيناه صفة جوهرة الله ، حدّد لنا صناعة الأقبية، وفلسفة غروب فلسفتنا ، كي يظل واضحاً ، وصريحاً في لغة الصراع .. ومَنَعَنا من انتقاد اللغة التي يتحدث بها اليهودي ، لأننا سنكون عندها ، مثل الثقوب الشاحبة ، ولتذهب جثثنا إلى حيث ما تريد !
هل نحن الآن في العتمة البعيدة ؟ وهل نبالغ حين نقول : إن حياتنا مثل ثرواتنا ، حمقاء ، ومخبأة في الصناديق البعيدة ، إن قلوبنا التي ماتت من الملل ، يعود ذلك إلى نقص واضح في عبقريتنا ، .
كل هذه الأسئلة تحت إبط الغيبوبة ، أو في الكهوف
الأيديولوجية ، التي هي ايضاً ، تنوح على عِظامنا السائبة .
بالدليل القاطع تاكّد لنا أننا لسنا بحاجة إلى الدمى التي ابتلعتنا واحداً واحداً ، وثرواتها يمكن أن نغطّي بها سماء الجاهلية ، والباقي نعرفه جميعاً ، ويعرفه الوعي واللاوعي ، لأننا من دون لحظة داخل الخلاص أو داخل الاختيار .
ضائعون بين الصهيل العظيم الذي يئن ، وبين الصهيل الذي تحوّل إلى تابوت أزليّ
إنه مخزوننا الهائل من الجنون ؛
والعربي ..
ليس لديه أسئلة
وأيضاً
ليس لديه أجوبة
فقط
لديه مواصفات هائلة عن المستنقعات ،
أين هي أظافرنا ؟!

اترك ردّاً