صرخة..

منى حسنين/ جمهورية مصر العربية

الكاتبة منى حسنين

الماء من حولي بدأ يتلاشى .. مكاني يضيق بي ؟! أم أن حجمي هو ما أصبح أكبر من جدراني.. ؟! تلك النقرات المنتظمة التي أسمعها منذ بدأت أعي الأصوات التي أخذت تضطرب .. لماذا أشعر بتلك الانقباضات وكأنها تريد أن تنتزع مني روحي .. ظلامي لم يعد أمان.. هناك ما يحاول أن يدفعني نحو ذاك المخرج ، لكني لا أريد الهرب فلدي هنا كل ما أريده .. لماذا يدفعونني للتخلي عنه .

الحركة تزيد و الدقات تتسارع .. جدراني تلفظني خارجها .. ظلامي لم يعد أمان و ثمة ضوء هناك ..عيناي التي حملت بصمة الظلام في قلبها فصبغتها بالسواد لن تعتاده .

اتركوني فأنا لم ارتكب أي خطيئة لتحرموني من مأواي .. دفعة قوية تتبعها دفعة أقوى.. وها أنا ذا قد عبرت وجواز مروري صرخة حملت معها شهقة ليجتاح الهواء صدري الصغير لأول مرة .. وصوتٌ يردد جواري بانكسار .. إنها بنت

سمعت نداء أمى بينما كنت ألهو وسط قريناتي أمام باب المنزل تحت شجرة التوت التى بالكاد بدأت ثمارها فى النضوج .. هرعت لألبي نداءها فناولتني فستاناً مزركشاً لأرتديه و طلبت مني الانتظار فى غرفة نومها قائلة : عم سعيد حلاق الصحة جاي يختنك، إنتي خلاص كبرتي ، خليكى قوية و متعيطيش. مرت نصف ساعة و دخلت أمّي برفقة عم سعيد .. تناول مشرطه و احتضنتني أمي كي أكتم صرختي ولكنى لم استطع، ليقوم عم سعيد بعمله على أتم وجه !

أتممت دراستي الإعدادية على أمل الالتحاق بالمدرسة الثانوية القابعة فى البر المقابل لبلدتنا الصغيرة، لن أنسى كلمات أبي و هو يردد : و آخرة العلام إيه .. لا تكوني فاكرة إنك هتدخلي الجامعة و تسافري البندر لحالك ، إنتي بنت و مصيرك فى بيت راجل بتربيله عياله .

الشيء المبهج، أنني استطعت كتمان صرختي هذه المرة.

سالم ابن عم ربيع البقال .. شاب وسيم و معاه دبلوم صنايع ، مواظب على فروضه فى المسجد و لا بيشرب سيجارة و لا بيضيع فلوسه على القهوة . بشوفه دايماً قاعد فى محل أبوه ماسك كتاب.
تجرأت يوماً ما، بينما كنت أشتري جبنة قريش و بيض على سؤاله : إنت مش خلصت علام و خلاص وأخدت الدبلوم ، إيه اللي إنتَ بتقراه ؟
ابتسم سالم ابتسامة عذبة مرقت لقلبي كسهمٍ أخطأ مساره: دي ثقافة ، كتب بنعرف بيها الناس برة بلدنا عايشة إزاي و بتفكر فى إيه.

خطفني حديثه كما فعلت ابتسامته، أومأت برأسي موافقة دون أن أُزيد فى الكلام و من يومها و أنا أتتبع نظراته التي تلاحقني كلما تصادفنا فى مكان ما ليخفق قلبي كما لم يخفق من قبل.

“جالك عريس وأبوكي وافق”
رددت أمي الكلمات ببهجة مصطنعة ، تلعثمت و أنا اسألها عريس !! مين ده؟
توقفت هى لثوانٍ وتوقف نبض قلبي معها .. كم كنت أتمنى أن تنطق باسم سالم و لكنها قالت : محروس غفير العمدة.
قلت بحسرة:
“بس ده متجوز و عنده أربع بنات !!”
قالت و هى مطأطأة الرأس

  • نفسه فى الواد و الشرع قال مثنى و ثلاث و رباع

حسناً ، كم أنا قوية ، لقد استطعت أيضاً تلك المرة كتمان صرختي .

اترك ردّاً