
عزيزي بحر :
هل تعلم أنّ أول حيوانٍ أليف اقتنيته فى حياتي كان سلحفاة .. كانت وديعة لا تحمل من متطلبات الحياة ما يثقل كاهل مقتنيها .. بضع شرائح من الخضار يومياً .. لا تصدر صوتاً و لا تتذمر من تكرار نفس الطعام، بل تقبل عليه بنهم الراضي على ما وهبته إياه الحياة من رزق أياً كان.
عند النوم تذهب إلى ركنها المفضل من غرفتي لتدخل صدفتها المنيعة .. و عندما تبدأ حرارة الجو فى الانخفاض تتقوقع داخل مسكنها حتى يهل الصيف مرة أخرى.
ظلت على هذه الحال لمدة ثلاث سنوات حتى أتى صيف العام الثالث فلم تستيقظ .. حاولت إفاقتها مع اشتداد حرارة الجو و لكن هيهات .. لقد غادرت عالمنا خلال فصل الشتاء دون أن يشعر بها أحد فأرقدتها مثواها الأخير فى حفرة أمام باب منزلنا.
الغريب أنه لم تتغير هيئتها أو يتحلل جسدها رغم طول فترة رحيلها، ربما لسماكة جلد بشرتها … أو ربما كانت صغيرتي من المرضي عنهم،
لطالما اعتقدت أنني مثل سلحفاتي الصغيرة .. فأنا أعيش برضا دون تذمر أو اعتراض … و أعلم أيضاً أنني سوف أرحل مثلها … فى هدوء
عزيزي بحر
أظنك تعلم أنني لم أتقن يوماً فن السباحة
ف نَفَسي القصير لم يستطع الاحتفاظ بقليل الهواء.
العجيب أنني لم أتردد لحظة فى أن أُلقي بجسدي فى قلبك .
يا إلهي … كم أحببت شعور أن تكون أنت ملجأي الوحيد .
حَمَلتني ..فتشبثت أصابعي بك بخفة طير لم تقوى جناحاه على الطيران بعد.
لست أدري.. أَوهِنَت أناملي الدقيقة! أم كنت أنت من قررت التخلي عن حَمل جسدي الضئيل!
و لكن ها أنا ذا و قد تخليت عن ارتداء رئتي الواهنة.
فلم يقوَ الماء على استباحة أنفاسي القصيرة … بعد
عزيزي بحر:
هل تتذكر حديثنا عن ذاك الفيلم الذي قصصت عليك حبكته و وصفته لك بأنه أروع فيلم مرّ على تاريخ السينما .. تلك الحبكة التي لخصت صراع المرأة الداخلي خصوصاً تلك التى روضوها منذ صغرها بارتداء ثوب الملاك الأبيض و حاولوا وأد روح تلك الساحرة المتشحة بالسواد المولودة مع كل أنثى، و صراع بطلته راقصة الباليه مع نصفيها و محاولة تحريرها لتلك المتمردة القابعة فى روحها لتحملها إلى نقطة الكمال
اليوم وقد مرت ثلاث سنوات منذ أن التقيتك و جل ما لمسته من تغيير فى ذاتي هو أن روحي لم تعد تكره جسدي و تخلت عن فكرة أن رداء الطين هذا يعوق تحررها.
أتذكر ما كنت أرتديه يوم كتبت لك أول رسالة ، فستان أبيض مزركش بالتل من على حوافه ، المفارقة أننى الآن و مع آخر رسالة أخطها أرتدى نفس الفستان ، و لكن بلون مغاير .. بلونٍ أسود