خالد حسين

عتبة
في ضَلال الرّغبةِ يورقُ الليل
في ضَلال الليل يَرُنُّ قلبُها في النِّداء كثافةً:
اُشْرُدْ إليَّ أيُّها الطّائر؛ لأكن لك ظلّاً.
اُشْرُدْ إليَّ لأميلَ عليكَ …فتسقطُ حبتا كرز في فمك…
اُشْرُدْ إليَّ لأهبكَ حقلاً وتمنحني ماءَ قلبك…!
I
مع رائحةِ أجمةِ شعركِ ينثالُ الصّباحُ حريراً
مع ابتسامتكِ التي تضيءُ كزهرةٍ بريةٍ
ينتظر هذا الصّباح أنْ يتعطّر بأنفاسكِ…!
II
هذا الليل ممعن في حبره الفاتن،
هذه العتمة تغفو على ضفائرك أسراب طيور.
يا لهذين الحاجبين يمضيان بجسارةٍ إلى اللانهاية.
والرّموشُ، رموشكِ، بتلك الظلال القاتلة…بالقرب من عينيك يسكن الأبد…!
III
ستنعطفُ اللغةُ صوبَ هوامش الحبر؛
لكنّني لنَ أكتبَ،
لن أكتبَ سوى صمتي…
سوى بريّةٍ تنفتحُ على مواسم السَّراب…!!
IV
دمشقُ
مثل أول امرأة تشتبكُ معك؛ فيبقى عسلُ شفتيهـا مشتعلاً
أبداً…
نغادر دمشق؛
فننسى أجسادنا فيها…
لا نتذكّر من دمشق إلا دمشق برمّتها…!
V
جمالُكِ ألقُ النجمةِ البعيدة؛
لحاظُكِ بريقُ النَّصل
فلتكنِ الطّعنةُ حتى الحياة…
أيتها الرجيمة
إلى أية خطيئةٍ
تقودين هذا الحلم المزرَّق بشهيقِ الخيول ….
المسالكُ وعرةٌ؛ التضاريس إليكِ شاقّةٌ، يا لهذه الأمواه التي نخوضها…!
أيّ مساءٍ تُخبئينَهُ على مشارف يديكِ، كما لو كنتِ مُدُناً تُضيءُ عزلةَ المسافر
في هذه القصيدة.
ها هي الدروب تميل بأقدامنا، لكنَّ أسواَركِ محفوفةٌ بأدراج
عالية…
وأيُّ سرٍّ
أنتِ
كأن َّ لنا من
الانتظار دروباً تجعّدت على حافات أصابعنا،
نزيح الوقتَ – السَّاعات التي انصهرت من وقوفنا
المديد ــ جانباً….
ولأنَّكِ بساطةُ العشب ومتاهةُ الزمن… لكِ حضورُك الممتلىءُ
بكبرياء السَّرو، حضورُكِ الحافلُ بالأساطير.. يا خُرافة النَّدى…!
قلتُ: حبُّكِ ألم لا يُطاقُ…
حبكِ ـ يا من يضيئُكِ الليل ـ نصلٌ في خاصرة القصيدة،
حبكِ عتمةٌ تتفاقمُ، وأنا كمن يؤوّلُ الأرض، أَتصفَّحُ ذاكرتي؛ فأجدكِ تتقمّصين أشجارَ الحديقةِ بجحيم الرّغبة.
لكِ أيتها
الرجيمةُ، أيتها الذئبةُ…
أنشىء مدائحي؛
لأنَّكِ تهمِّشين ـ وتهشِّمين ـ الزمن؛ فيغدو نمراً جاثماً، صامتاً هناك.
لكنَّكِ وبمدارةٍ تَنْدبينَهُ بغفوةٍ عميقةٍ في
ظلال الرَّغبة، حيثُ أنينُ أحشائكِ يخترق المسافةَ، وكمسافر يشيِّد شتاتَهُ لأفق
أبعد:
يوقظ أُبطيكِ
بشمس خضراءٍ، يُشاطئكِ حناناً حيث السّيرُ إلى إشراقةِ الموت تبدأُ بلمسِ
الرِّيحان؛ فتهبُّ خيولٌ على أطراف السُّهب، وتهبُّ وردةٌ على شواطئكِ، وتعوي
ذئاب على حافةِ الغيم،
إنه أوان
المطر، مطرُ الخطيئةِ ليضيء الحكايةَ…
(دمشق، 1997)
VI
الحبُّ قصيدةٌ تنتظرُ أصابعكِ المتوارية في غامضِ المسافة…!
VII
أيّة
لغةَ ترتقي لوصفِ الرُّمان في حقولكِ النـَّـائية
أيتها الغزالة…؟
VIII
ها هي البحيرةُ ترتمي تحتَ سماءٍ شبقةٍ
على الصّخرة، صخرة نيتشه، أقرأُ صفاءَ الزُّرقةِ إلهاً وسيماً
وأنتِ
تغوصينَ بجسدكِ الضَّارب إلى الجنون بهدوءٍ طريٍّ في ظلال يَديَّ…!
IX
من البَعيد
يتناهى إليَّ صَوتُكِ؛
البنفسجُ يتراكمُ عَلَى عتبة الصّباح.
X
هنا
تحديداً ودون مواربةٍ،
تمكثُ شجرةٌ إزاء نافذة البيت،
شجرةٌ تُذكّرُ الريح َبأطوارها وشؤونها،
شجرة يضاجعها الخريفُ ذهباً، عبرها، عبر ألغازها يتسلّلُ الأفقُ كلصٍّ إليَّ،
يؤوِّل جراحَ المساء ثم يمضي ككلبٍ أليفٍ…
عبر هذه الشّجرة تندلعُ امرأةٌ ليلاً،
تقتنص الكينونة لوناً في غابات بعيدة…!
يا لهذه الغزالة التي تمتهنُ
الأساطير…يا للغزالةِ ــ الشَّجرة في منعطف ذلك الليل…!
XI
فَحِيحُ الكَمأ ِبينَ أصابعَ اللهفةِ
هسيسُ الهَوَاءِ المُنهار في الصَهِيْلْ
أيتها الغزالةُ المشتعلةُ بغمام الفجاءة
أيتها الأُغْنِية
أيُّها المَوتُ اللَذِيْذ
أيتها الأَرْضُ
أيتها الأُورْكسترا
أيها الشْهَيقُ ــ الرمَادْ..
XII
فكرةٌ،
حدثٌ
بل قصيدةٌ مرتقبةٌ:
هذا العراء الذي يتوه فيه أنينُ
الحبّ…!
XIV
من العدالة أن تتركَ شيئاً ما هناك
هديةً صغيرةً،
لوحةً،
قصيدةً بكلمات قليلة…
من جمال اللاﭬندر بمكانٍ
أنّكَ تركتَ أثرَ قبلةٍ
على شفتيها في محطة الوداع …!
XV
كوردةٍ
ذابلةٍ كان الحبُّ ينطفىءُ في عينيكِ
وكان العالمُ يخمدُ بصرخةٍ وحشية في روحي…