نوروز عمر

مجون الخيانة
أنا وبراري الليل
ومرقدي البارد، أُلَبِّسُ الحرفَ كخرقةٍ بالية،
مزركشاً بالحزن.
ثمةَ صوتٌ ذبيحٌ لا يصلهُ أحد،
لكني أنصتُ إليهِ، محترفةً أوهامي.
ثمةَ همسٌ غير مألوف
لطائرين غريبين كأننا لم نلتقِ يوماً.
تُرى، من سرقَ الحميمية من مكوثي؟
السارقُ قطةٌ متمردةٌ مبدعةٌ،
تسرق الفرح من شفاهِ الزنبق الأرجواني.
أيُّ ربطٍ وأيُّ دهشة
في تفاصيلٍ تفككني ذوبانَ وجدٍ
أم جرمِ النكران؟
النكرانُ سمٌّ يلدغُ به الروح
ويشتت تاريخَ الأنوثة.
أبحثُ عن ملامحنا كما في الأمس، لكن دون جدوى،
وأمشي بساقين مرتجفتين وأزحف،
أجرُّ أذيالَ خيبتي بانكسار.
فكيف نعود بشعورنا الخارق بعد أن تسرب عبر الثقب؟
طعمُ القُبَل لاذعٌ حارقٌ بالخيانة،
كشظايا تخترقُ اللسانَ وتبتره،
وتتناثر في الجسد من أثر عهرها،
تكادُ تستأصلُ الروحَ التي لا يزورها
سوى الخفافيش.
ليتني بنيتُ
نُزلاً إضافياً كي أستريح من عناءٍ ورهابِ الفقد.
ما من شيءٍ خرافيٍّ يضيء كياني
سوى ربطِ تفاصيلِ ضحايا الخيانة
والاختفاءِ في أضرحةِ الذئاب الدخيلة.
كما لو كنتُ لغزاً
يُحدِثُ جنوناً في ليلةٍ قمراء،
ألمحُ بأنني مغامرةٌ منذ الأزل،
فالمألوف أفقه ضريرة.
لا زلتُ أخوض الطريق وأراهن على المجهول.
فلتكن شهقتي
معلّقةً على شروخ المرايا،
أحتضن ألم شظايا الأحلام المكبّلة الهاربة،
والزمهرير بعمق،
على أثر أقدام الضحايا المشردين.
أحاول ألّا يغلبني النعاس،
فعيناي خجلَى من نومٍ هانئ
على كفّي كوسادة،
والعفريت يلاحقني.
لم أنسَ ليلةَ الأمس حين دقَّ بابي
بعض الغرباء، ودموع الحيرة تسبقهم،
كأنهم يتمنون قليلاً من الدفء.
لم أعرف فتح ستائر الغيب،
أتجرّع تراجيديا موتٍ سريري
بلا اكتراث، وأنا بعيدة كل البعد عن البيوت الطينية.
ألمح ذئباً حمل على ظهره
جثةَ ملاكٍ يهوى التمثيل بأجساد النساء،
أنقاضَ وطنٍ
محملةً على أجنحة فراشةٍ مشرّدةٍ في ريح المنفى.
الحرية التي نرددها على جرارٍ متصدّئةٍ
تمشي الهوينى دون عجلات،
وحيداً بلا رفيقٍ أنتَ يا وطن.
وطنٌ بهيئة قرطي
يردد أنشودةَ الرصاص
على مرأى عيونِ تجار الأرواح…