تصوير الواقع في رواية قحطستان للأديب: أكرم منذر…!

قدمتها الكاتبة أمل صيداوي

وما شَابَ رأسي من سنينٍ تَتَابَعَتْ

عليَّ، ولكن شيَّبتني الوَقَائعُ

 عروة بن الورد

 قحطستان للأديب المبدع: أكرم منذر هي رواية ثرية بالشخصيات وجريئة تعبّر عن الحب والأمل والخيبات والانكسارات مع فقدان القيم الإنسانية. أسئلة كثيرة يطرحها أكرم منذر حول العلاقات المتشرذمة، عدوانية وأذى الناس لبعضهم البعض. الرواية تتجسد في شخصيات متشابكة مع مكوّنات الواقع. انطلق الكاتب من أنّ هناك قحط وجفاف في نفوس بعض الناس الذين يعمدون إلى أذية حتى أقرب الناس إليهم. 

قحطستان روايةٌ بدأت بهروب بطل الرواية شاهين الفارس من سورية إلى لبنان حيث تصادف اندلاع الحرب الأهلية وهنا تحضرني أبيات للشاعر: عروة بن الورد

“أَيا راكِباً إِمّا عَرَضتَ فَبَلِّغَنّ 

بَني ناشِبٍ عَنّي وَمَن يَتَنَشَّبُ

أَكُلُّكُمُ مُختارُ دارٍ يَحُلُّها

وَتارِكُ هُدمٍ لَيسَ عَنها مُذَنَّبُ”

يستقبله أصدقاءه اللبنانيون الذين لم يتورطوا بالمشاركة في هذه الحرب، يتعرّض بطل الرواية خلال وجوده في لبنان لمكائد فيتم خطفه من قِبَل عصابة الكوبرا فينقذه أصدقاؤه منها. يبحث البطل عن حياة كريمة فيقرر الهجرة إلى سويسرا عبر البحر مع بعض أصدقائه وأشخاص آخرين ليكتشفوا أنه تم خداعهم من قبل رئيس عصابة كوبرا واسمه إيلي، وبضلوع سركيس في تلك المؤامرة مع العصابة، يجبرون سركيس على البقاء معهم ويبدأ القارب المطاطي بالغرق. ينجو شاهين وحيدر وعلوش وآمون ومحمد وعازار وحنا. ينقسم الأصدقاء حيث يذهب شاهين وعلوش إلى سويسرا ويبقى الآخرون في إيطاليا. يلتقي شاهين في سويسرا بصديقه وشريكه جورج الذي يحكي له عن تعرّضه لاحتيال أحد اللبنانيين وإفلاسه واتهامه من قِبَل السلطات السويسرية ظلماً بالاختلاس. لذا يقترح شاهين بيع المطعم وإعطاء جورج المال لكي يستطيع البدء من جديد. يقرّر شاهين السفر إلى قحطستان بدعوة من الحاج خنيفس لتأسيس شركة مقاولات ويتمّ له ماأراد. يحكي الراوي عن علاقة شاهين الطيبة بزملائه في العمل (على اختلاف مشاربهم) بالشركة الكائنة في قحطستان. يعرّي الراوي الأشياء عندما اكتشف أنّ الحاج خنيفس يمتلك حوش الكيف يجتمع فيه رجال الأعمال مع العاهرات ويمارسون الفواحش، ويصف بدقّة ماعليه المجتمع في قحطستان من تناقض مرعب وادّعاء الفضيلة مما يؤكّد لنا حرصهعلى عدم تغييب الهاجس الأخلاقي.  تصادف في أحد الأيام اتصال فتاة بشاهين ادّعت أن اسمها فم وعندما تقوم بزيارته يتّضح أن اسمها مشاعل وهي ابنة الحاج خنيفس حيث يقع شاهين بحبها لكنه يخاف من تبعات الزواج لوجود اختلافات دينية وبيئية ومناطقية بينهما، وعندما تقنعه مشاعل بفكرة الزواج يطلب يدها من والدها الحاج خنيفس الذي يعارض في البداية ظانّاً أن شاهين يطمع بمالها الذي ورثته عن زوجها الحاج فنطوس، ثم يوافق والد مشاعل على زواج ابنته من شاهين على مضض فيتم الزواج ولكن فرحة العروسين  لاتكمل إذ يقوم يلفّق والد مشاعل تهمة لشاهين باختلاس أموال الشركة فيتم القبض على شاهين ولايُفرجون عنه إلا بعد قيامه بالتنازل عن حصّته بشركة المقاولات وتسليم الأموالالتي ادّعوا أنه اختلسها إلى الشركة، وهكذا يتم كل شيء حسب مخططات الحاج خنيفس. بعد هذه الحادثة المؤلمة يقرر شاهين التوجه إلى وادي السرحان الأرض التي لجأ الثوار من أهله إليها هرباً من بطش المستعمر الفرنسي محاولاً استرجاع الماضي المجيد فيختفي أثره، وعندما يتم إنقاذه ويتعافى تتفق زوجته معه على السفر إلى بريطانيا، يحنّ شاهين إلى أهله في سورية فيسافر لزيارتهم ولدى عودته إلى بريطانيا يكتشف اختفاء مشاعل التي تمّ اختطافها. يحاول معرفة سبب اختطافها ويطلب من السفارة السورية ومن جهات أخرى مساعدته لكن عبثاً يعلم فيما بعد أن الحاج خنيفس وبعض المسؤولين المتورطين أخلاقياً بحوش الكيف هم وراء اختطاف مشاعل لأن بحوزتها أشرطة ووثائق تثبت تورط أبيها ومجموعة من الفاسدين من مسؤولين ورجال أعمال بممارسة الفواحش في حوش الكيف. يعزم شاهين على السفر إلى قحطستان فيقنعه صديقه رشيد بعدم السفر لأن في ذلك موته. يقوم الجلاد في قحطستان بقطع رأس مشاعل بعد توجيه تهمة كيدية لها بأنها مسؤولة مع  العاملين لديها بمشغل الخياطة  الذي تمتلكه عن عملإرهابي حصل في منزل شابة اسمها جود.         يستخدم الكاتب في “قحطستان” أسلوباً سردياً متعدد الأصوات “أسلوب الرواية البوليفونية” ، حيث تتناوب بين شخصيات مختلفة لتقديم وجهات نظر متنوعة حول الصداقة المجرّدة من المصالح، والغدر، والطمع، والكفر، والإيمان، ومفهوم الشرف، والأخلاق، والوعي، والعقل،والحق، والحرية. هذا الأسلوب يعزز من عمق الرواية ويمنح القارئ فرصة للتفاعل مع الشخصيات على مستوى شخصي. بالإضافة إلى ذلك يدعو أكرم منذر القرّاء إلى تخطّي الحدود الثقافية والدينية، وتبنّي التعددية الثقافية والانفتاح على الآخر والبحث عن القاسم المشترك الذي يُغني الإنسانية، ويعني هذا أن رؤية كاتب الرواية البوليفونية رؤية إنسانية، ترفض – بشكل قطعي- تحويل القيم المعنوية أوالكيفية إلى قيم مادية وكمّية.             يُبرز الكاتب في روايته الدور التربوي الهام الذي اضطلعت به نساء جبل الريان ألا وهو تربية أبنائهن وبناتهن على قيم ومبادئ عظيمة كالبطولة والشجاعة وحب العلم والتذكير بالسّلف الصالح من الأبطال والعظماء : “كانت مجالسهن عامرة بأحاديث البطولة والشجاعة والشعر وتقصي أخبار الأحبة والتعاون فيما بينهن في تعليم وتربية الأبناء السار ضمن الإمكانيات الشحيحة المتاحة”.صفحة 268                                                                                  “تسرد النساء بعض القصص من واقع حياتهن ليس للدردشة فقط بل لتكون سيرة تخلد العظيمات ودورهن الرائد في حياة جبل الريان وأهله مما يلهم الأجيال ويجعلهم فخورين بجذورهم”.  صفحة 268                                    تلك النساء اللواتي كنّ المثل الأعلى لأبنائهن في عفّة النفس والشموخ والإباء والشجاعة والنخوةوالكرم، كما كنّ رمزاً للعطف والحنان من جهة أخرى: “لم يأت كبار النفوس ورافعوا الرؤوس من العدم، لقد حملت بهم أرحام جبلية خصيبة العطاء صلبة الشكيمة عفيفة النفس أبية الهوى تربين بين سواعد السنديان وفي ظلال شموخه أخذن من البازلت قسوته ونعومته، واتّشحن بسواده الجليل بنات حين جارت عليهن رياح الزمن. لبؤات في المنازلة، جوارح في الذود عن الأبناء، مستبسلات في مواقف الكرم والكرامة” صفحة 268     

تمّ سرد الأحداث في الغالبية العظمى من الفصول بضمير المخاطب والغائب وفي القليل  منها بضمير المخاطب غير المباشر.

استخدام الزمن، من خلال تقنية الإسترجاع

أبدع الكاتب في استخدام الزمن، من خلال تقنية الإسترجاع ليربط بين الماضي والحاضر، ليوضح رؤية الأمور للقارئ من خلال رؤيته هو:

أ. كان جبل الريان حاضراً بكل تفاصيله، برجاله ذوو النخوة ونسائه العظيمات ودورهن الرائد في حياة أبنائهن.

ب. تجلّى الحنين للماضي “النوستالجيا” وتقنية الاسترجاع في لجوء الكاتب لنبش الذّاكرة وسرد أحداث الماضي باستحضاره بالوقت الحالي وفي اختياره للعودة إلى طفولة البطل شاهين، وبما يرافقه من فرح وحزن “يتعلق شاهين الطفل بثوب أمه كأنه حبل سرة الحياة، يحضر اجتماعاتهنَّ وينصت ويسرح في عوالمه الخاصة”.

“قلما يشارك الأطفال اللهو وملاحقة السحالي والأفاعي أو تشييد قلاع من الرمل لتذروها الرياح مع أول هبوب.”

ج. أبرز الكاتب أكرم منذر ظاهرة التسامح الديني لدى أبناء جبل الريان أثناء الحكم العثماني لسورية، وتضامنهم مع سلطان بن رشيد الذي استجار بهم من بطش العثمانيين فكان له ماأراد، وهذا مؤشّر لظاهرة التعاون والتآخي بين الأديان في تلك الحقبة الزمنية.

مصطلح الغشجاني:

 استخدم الراوي مصطلح الغشجاني في أكثرمن موضع في الرواية وقام بتعريفه: “الغشجاني هو إنسان شكلاً لكنه حيوان مسعور مضموناً تتحكم به غرائزه وشهواته وجشعه والتي تتمركز في ثلاثين سنتمتراً مربعاً في وسطه معدته، أعضائه التناسلية، وجيوبه الشرهة للمال والثراء، وصولاً إلى شهوة السلطة والسطوة على الوجود” صفحة 155.

– والغشجاني هو ماقامت به المخابرات البريطانية الأمريكية في عام 1953:

“قامت المخابرات البريطانية الأمريكية عام 1953 م في إيران بالانقلاب على الدكتور محمد مصدق المنتخب شعبياً ورسميا بعد تأميمه لشركة النفط (الأنجلو – إيرانية) وإعادة تنصيب رجلها وخادمها في الخليج الشاه محمد رضى بهلوي”. صفحة 86 

– وهو السائق حسنين في موضع آخر: حيث يخاطب بلال شاهين فيقول له:

” أنت تعرف السائق الخاص للحاج خنيفس حسنين الذي يقوم بالتواصل مع بعض العاملين لدينا لتوريطهم بأن يرسلهم إلى مصر أو المغرب أو سوريا أو لبنان أو الأردن يتزوجون من أربع نساء ليعملن بالدعارة لدى خنيفس وزوّاره في حوش الكيف، ألا تعلم ذلك؟”صفحة 201 

– وهي عصابة الكوبرا التي اختطفت شاهين وبشير :

“عصابة الكوبرا التي تختطفنا هي عصابة (غشجاني) بامتياز نموذج صارخ لهذا الكائن المسرف في البشاعة والقبح والدموية”.صفحة 54

– ويتمثّل أيضاً في ممارسات جميع الشخصيات السلبية في الرواية حيث يعبّر عن ذلك الراوي بقوله: 

“تحكّم أشباه البشر(الغشجاني) بغالبية البشر المهمشين”.صفحة 86  

– وهو الشخص الذي يتعامل مع المحتل الإسرائيلي في حوار بلال مع شاهين:

“في الداخل الفلسطيني، هنالك عدد كبير يعمل عن طيب خاطر مع الإسرائيليين أو يتعامل معهم بالإكراه بعد تهديده بموضوع عاطفي أو اجتماعي أو مالي خاص إلى أن يتورط”. صفحة 202

الشخصيات:

الشخصية مكون أساسي من مكونات النسيج الفني بأسره.

الصنف الأول: الشخصيات الإيجابية:

وهي الشخصية الصالحة والمُصلحة، والخيّرة بمعنى الكلمة، وهي في القصة:

1. شخصية شاهين الفارس:

يقول الراوي في تصوير الواقع في رواية قحطستان للأديب: أكرم منذر. قراءة تحليلية  الرائع لبطل الرواية شاهين الذي تثقل كاهله الهموم والأحزان، هو رمز الرجولة والجمال والتعقّل والإقدام والكرم والعطاء والنخوة والإنسان الذي يحب وطنه ومسقط رأسه : 

“شاهين….. رمح الرجولة، لكنه معطوب الروح، إقدام المتعقل وعقل المتقدم نحو خطاه صقوري البأس، عزيز النفس، حضوره غيمة سخية تمطر البهجة في مروج عطشى سرعان ما تزهر حيث يسير ويذوي عبقها حين يغادر، باذخ العطاء في مشاعره، بهي الطلة، شرقي الملامح آسر النظرات رياضي ومتناسق البنية عينان ناطقتان بالمعاني، يدرك أن سوريته وجبل ريانه ويقينه هم سندیان بقائه شامخاً مفعماً بالبهاء”. صفحة 17

2. شخصية أصدقاء شاهين:

تكلم الراوي في تصويره عن الأبعاد النفسية والفكرية لأصدقاء شاهين: علي، وطوني، ومعروف، ومحمد وحيدر، وعبود. هم يعانون من الحرب الأهلية ووجود مافيات في بلادهم وبالرغم من ذلك كله فإنهم لايريدون التورط في تلك الحرب يقول الراوي على لسانمعروف: 

” معروف نعم يا شاهين روعة مجموعتنا أننا حافظنا وحمينا ورعينا صداقتنا، لم تنل الحرب من أرواحنا، بقيت عقولنا يقظة وقلوبنا متسامحة وأيادينا متكاتفة…. وهذا قدرنا وخيارنا الجماعي والاجتماعي والوطني الواحد والأوحد لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة”. صفحة 27.                                                           ويدرك المتلَقّي كذلك أن أصدقاء شاهين يمتلكون وعياً حضارياً يتمثل في نبذهم للطائفية وتعاونهم فيما بينهم على إنقاذ صديقهم شاهين من براثن العصابة التي اختطفته.

3. شخصية مشاعل:

هي شخصية ذات ملامح إنسانية، رائعة الجمال، ومثقفة تلقّت تعليمها على يد معلمة سورية شجّعتها على القراءة والاطلاع.

يقول الراوي:

“صحا شاهين على حضور سيدة باذخة البهاء، حوراء، بيضاء، مياسة القد، صمتها ناطق، ومع الخصوم يغدو نطقها حارقاً، ناي يبوح عذوبة حين تبتسم، حفيف الشجر وقت تفتح الزهر، ربيع يباغت عمراً كاد التصحر أن يأتي عليه لولا عبير الأمل المستوطن الأبدي فيه.”صفحة 175

افتتحت مشاعل مشغل خياطة كبير بعد اختيار مجموعة من نساء الحي اللواتي أبدين استعداداً لنشاط نسوي يرفع عنهن الظلم ويحرّرعقولهن من الجهل توافدت عليه نسبة كبيرة من الراغبات بالعمل والتَّعلّم. وأخضعتهن لدورات تعليم مجاني لتأهيلهن بمهنة يستطعن من خلالها رفع الظلم والأذية عن أنفسهن. 

4. شخصية بلال:

بلال شاب فلسطيني متّزن فدائي شجاع شهم ومقدام، حضوره مؤثّر جدي في عمله نشيط تكسوه ملامح الحزن بعد أن قضى عشر سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حاد الطباع، مدخن شره. صفحة201

يذكّرنا  بلال بالقيم الوطنية التي كنّا ومازلنا نؤمن ونعتزّ بها وهي باقية في قلوبنا وراسخة في عقولنا ألا وهي حب الوطن والذود عنه بالأرواح  وكره العدو الإسرائيلي وممارساته القمعية والعنصرية.

5. شخصية رشيد الرشيدي:                                                                                                                         يقول الراوي:

“رشيد مدير إداري في الشركة مخلص أمين دقيق حذر نادراً ما يفتح أحاديث جانبية مع أحد خارج ضرورات ومصلحة العمل درس وتخرج في جامعة أوكسفورد البريطانية تخصص إدارة أعمال”.صفحة 231

 الصنف الثانيً: الشخصية السلبية (صورة الآخر):

هي الشخصية الشريرة التي تتصّف بالعبث والاستهتار بمصائر الغير باطنها مملوءة بالانتقام والعدوان، وتتمثل هذه الصفات في:

1. الكوبرا الذي يتلذذ بتعذيب وقتل وسفك دماء الآخرين:

يقول الراوي:

“يشاهد الكوبرا مسابقة الإجرام من داخل الصالة ويكلّم شاهين دون أن ينظر إليه: أكبر متعة عندي ساعة انهيار الرجل، كلما علا استجداؤه وعويله ازددت انتشاء، وحينما يحاول الزحف إلى مدمى ومكسوراً

مثل فريسة قبل نفوقها ويقترب ليلعق حذائي أكون قد وصلت ذروة المتعة”.صفحة  56-57

2. شخصية الحاج خنيفس : 

الحاج خنيفس والد مشاعل الذي كان سبباً في شقائها وحرمانها من الإحساس بطفولتها بتزويجها القسري من الحاج فنطوس:

تحكي مشاعل لشاهين:

“كنت طفلة في الحادية عشرة تلهو في الحي مع الفتيات عندما هلّل أهلي المساكين لزيارة الحاج فنطوس الثري والوجيه وصاحب المناصب السياسية والاجتماعية الذي جاء طالباً الزواج مني على سنة الله ورسوله”

“وجدها والدي الفرصة الذهبية لانتشالهم من بئر الحاجة المميت، لابأس أن يضحي بواحدة لأجل الجميع”.صفحة 179 

كما كان يمارس الفواحش في حوش الكيف. وهو الذي قام بتلفيق تهمة لصهره شاهين زوج ابنته ليتم زجّه في السجن. يحكي الراوي كيف اكتشفت مشاعل افتراء وظلم أبيها الحاج خنيفس لزوجها شاهين الذي أدّى إلى سجن شاهين بتهمة الاختلاس عندما اضطر المدير المالي للشركة للاعتراف بذلك:                                             “أمام التهديد والوعيد قال: أنا عبد مأمور يا ست تكلمي مع والدك وسيخبرك بكل شيء”. صفحة 248                          كما خطط الحاج خنيفس مع مسؤولين فاسدين لاختطاف ابنته مشاعل من اسبانيا وساعدهم في تلفيق تهمة لها ليتم الحكم عليها فيما بعد بقطع رأسها.

3. شخصية الحاج فنطوس:

الذي كان يعامل زوجته مشاعل معاملة سيئة ويعتدي عليها بالاغتصاب والضرب، ويمارس الفواحش والرذائل في حوش الكيف مع الداعرات، والذي اتّهم مشاعل بالعقم وأرسلها للشيخ الحبشي المشعوذ لكي يفك عنها السحر بطريقته، وكان يعلم عبر تقارير طبية تصله من بريطانيا بأنه عقيم وهذا يدل على أنه إنسان سافل وفاسد ومنحط أخلاقياً.  

4. شخصية المشعوذ الحبشي المنحط أخلاقياً والعابث والمستهتربمصائر الغير. 

يعتدي الشيخ الحبشي على مشاعل بعد  تخديرها فتحمل منه. كما يسهّل ممارسة الرذيلة للشباب الغرباء مع النساء اللواتي يلجأن إليهبعد تخديرهن: 

تحكي مشاعل: 

“كان الدجال الحبشي يستغل جهل الناس وخوفهم ويعتدي جنسياً على زبائنه ويسلب أموالهم دون أن يعلم زواره ماذا يفعل وكيف ؟!. عندما يزداد عدد الزبائن كان يحضر شباب يدخلهم على النساء المخدرات بالأبخرة لقاء مبالغ مالية من أبواب خلفية سرية يسلب الزبونة ويرتكب جرمه ويتاجر بكرامتها وبجسدها”. صفحة 292

اغتنت الرواية بعنصر التشويق، الذي طغى على أحداث الرّواية كاملة، وذلك من خلال أسلوب السّرد الرّوائي المتسلسل، والحوار المباشر، والحبكات المتعدّدة، حيث تجذب القارئ وتشدّه للنهاية خلال فترة زمنيّة قصيرة. حاول الأديب الغوص في المسكوت عنه، كما تناول الشخصيات السلبية التي تعكس ازدواجية النفس البشرية.                                                                                                                                          

 في الختام، يمكن القول إن رواية “قحطستان” ليست مجرد رواية عن الغشجاني، بل هي دعوة للتأمل في الحياة والبحث عن الحقيقة من خلال أسلوبالكاتب السردي الفريد ورسالته العميقة، تمكّن الكاتب من خلق عمل أدبي يلامس الضمير الإنساني، هذه الرواية تظل شهادة على قوّة الأدب في تعزيز التواصل بين الثقافات المختلفة مما يعكس تنوّع التجربة الإنسانية وتعقيداتها.