في محراب الياسمين…

أوصمان حمو


وكيف أكتب، وأنا أبحر بقاربٍ من المطاط في أقيانوس الحياة، ولا طائرَ حمامٍ يلوح في الأفق يحمل غصناً؟
كيف أكتب،
وأنا منشغلٌ بترميم جدران الروح بالكلس والإسمنت، وأنظف رئة القصيدة من السعال،
ومنشغلٌ بهذا الكوكب الذي يختنق بثاني أكسيد الكربون،
ومنشغلٌ بجمع التوابيت أسفل قنوات الأخبار، أُحصي الصواريخ الباليستية في السماء وأمسح الرماد عن وجه المدن النائمة في العراء، أفهرس أسماء الموتى في أوراقي الكثيرة.
منذ زمنٍ بعيدٍ لم أكتب لعينيها قصيدة،
عيناها اللتان تطير إليها أسراب القطا لتستريح في ظهيرة القرى.
عيناها اللتان التجأ إليها كلُّ سنونو الكون وكلُّ خيام الكون وكلُّ حزنِ الصفصاف على ضفاف الأنهار.
عيناها اللتان اجتهد النحل
لإيجاد صلحٍ شفهيٍّ بين أزهار البابونج ومزارع القهوة في البلاد.
منذ زمنٍ لم أكتب لوجهها،
وجهها الذي يشبه حقول الحنطة من “عين ديوار” حتى سهول الخابور، ويشبه سفر موسى في سيناء ربَّه،
ويشبه تفاحة نيوتن،
ويشبه كلمة: آخ.
منذ مدةٍ طويلةٍ لم أكتب،
عن شفتيها،
مجازرِ الدم بين قبائل الرمان والكرز.
شفتاها، اللمسات الأخيرة لفرشاة الربِّ على لوحة الخليقة،
تيه الخزامى في البراري،
ومشانق التوليب في الحقول.
منذ مدةٍ طويلةٍ لم أكتب
عن خصرها
الذي يشبه منجلاً سومرياً،
ويشبه أعياد النوروز
وأزهار الفانيليا،
خصرها الذي يشبه عصا “هاري بوتر”
ويشبه إرهاق الحرير على الستائر،
ويشبه دخان الماريجوانا،
ويشبه قوافل الحجاج في الطواف.
منذ زمنٍ لم أكتب،
وأنا المزدحم بالحبر والبكاء،
بالعويل والقنابل النووية.
ماريانا،
يا ناياً من قصب الأنهار،
يعزف في دمي بلا انطفاء،
يا غيمة مطرٍ على رمال فمي،
طقوساً هندوسيةً على قلبي الغبار.
ماريانا،
يا صلاة الخاشعين
وسفر العشائر والقطعان
في ثلج روحي.
كانت الشمس قد أشرقت
على ربيع “عرب شاه”،
وصيصان الأوز الصفراء
تهرول مع أمهاتها نحو النهر،
وكان أبي يدخن ويشرب الشاي قرب جدار الصباح،
وكانت أمي واقفةً على تلة المقبرة
تراقب الجنود المهزومين العائدين من الحرب.
وكانت ماريانا،
تقطف الخبيز حافية القدمين
من براري وجهي.
كانت ماريانا،
تصنع خواتم من الطين،
تهديها للقطارات التي تجوب البلاد.
وكانت القطارات تذوب كالشمع في المحطات.
كانت ماريانا،
تجلس القرفصاء داخل عيني تراقب الحريق في الجهات.
ماريانا،
يا فرحي الأخرس،
يا وجعي الطاهر،
لا أنتِ انتهيتِ
ولا أنا بدأتُ،
ولا أنا بدأتُ بكتابة قصيدةٍ أطول من خطوط العمر على راحة يدي،
ولا أنا بدأتُ بكتابة قصيدةٍ
في ميلادك،
أعالج فيها الحفر عن وجه القمر.
لم أكتب قصيدة
أجمع فيها كلَّ ضحكاتك التي بقيت عالقةً في الهواء.
ماريانا،
يا روحَ الروح،
يا فرحَ الفرح،
ويا جرحَ الجرح.
ماريانا،
يا كلَّ هواء الكون في الرئات،
يا كلَّ شمسي في ظلامي،
وكلَّ الهدوء في حيرتي.
ويا كلَّ عمري المتبقي في التقاويم،
ماذا أهديكِ في هذا الميلاد المجيد؟
لن أهديكِ شيئاً،
فقط
سأذبح قصيدتين
أوزع لحمها
على الفقراء والمحتاجين
وعابري السبيل.
فقط
سأهديكِ
زهرة ياسمين بيضاء،
فلربما،
يعمّ السلام على هذا الكون.