لحسين أوزين

أنا حياة بنت الحي الشعبي الحقير، العاشقة والمعشوقة، من طرف الدكتور الحمزاوي، بشكلٍ عابر إرضاءً أو إشباعاً لنزوة الشباب وادعاء القيم الرفيعة. هذا العاشق المتبجح بفعل الخير والمدرك لأسرار حياة الميسورين، والعارف بخبايا الطب ومن أين تؤكل الكتف.
أنا حياة الفتاة الجميلة الحالمة بحياة أفضل أعلن عن نفسي جهراً دون خوف، وبعيداً عن أي ضغط وإكراه، أو ابتزاز، وبعيداً عن أي إغراء أو حب الظهور واعتلاء منصة الكلام، ودفعاً لأي التباس يمكن أن يؤدي الى إسقاط التهم الباطلة على هذا الرجل الذي منحني حق الكلام المغتصب منا على طول مرحلة العمر، هذا الرجل المدمن على عشق الكتب والمسكون الى حد الهوس الأحمق بمطاردة الحقيقة في جريه اللاهث وراء فهمٍ أفضل لحياة الوحل التي يتمرغ فيها الناس صباحاً ومساءً.
نعم أنا ابنة حي الصفيح الشعبي المفعم بالحب والألم، وبالكثير من المآسي والقليل القليل جداً من الفرح والمحبة والإحساس الدافئ بنعمة العلاقات والترابطات العميقة بين أهل الحي. أنا الفتاة الهاربة من خنز حي البراكات القصديرية، الذي تنكر شبابه المتعلم من ملح الطعام الحافر في القلب بالدم لوحة، مرحلة عمر لا تُنسى، ويستحيل أن تصير مجرد ذكرى هاربة تتصيدها لوعة الحنين الكاذب، المترع بالنفاق الأخلاقي في صون العهد، وما انبثق في القلب من شعاع أملٍ مضيء بروعة الحب وصدق كدح الحياة في نيل جدارة الإنسان.
أنا حياة الهاربة من سجن الحي الملعون بفضل هذا الرجل الذي هدته بصيرته الصادقة ووعيه النبيل الى شقوق جدران هذا السجن اللعين فرأى العجب العجاب.. رأى ما لم تقو عين السماء الذكورية على رؤيته. فهل سيتسع صدره حقا لأقول القليل مما ترسب في الأعماق، قبل ان نفترق ويمضي كل واحدٍ في سبيله بسلام؟
هكذا إذا، ما لم يفلح الحي في طمسه أتى عليه السرد كالطوفان فأغرق أصواتنا في وحل الأقبية وروائح الحفر العطنة التي تحيط بجحورنا، وهي تبعث على التقزز إلى درجة الغثيان. لم أكن أعتقد أن يتم اضطهادنا في الحي بشكل مزدوج بشع ونحن ننزف بصمت دون أن يقوى الرجال على الإحساس بعمق الغبن الذي طالنا برفقتهم في كل المحن المسربلة بالذل والإهانة والاحتقار، ونحن نرى كيف تسلخ إنسانيتنا و نستنزف تحت وقع تواطؤ الرجال. والآن أشعر باضطهاد بشع نتيجة حرماننا من حق الكلام كأننا كنا مجرد سقط متاع يرمى في أقرب مزبلة عندما يستنفذ الاستعمال. إذا كان الثوري المزعوم صديق الحمزاوي تحول الى مجرد عصا في يد سيده يحاكم الأصوات اليسارية الحرة فكيف تجاهلت أيها السارد اللطيف نساء الحي العفن؟ ألم تكن لنا حياة في دائرة الضوء، ونحن نعبر في وضح النهار ذاكرة ذكورية لم تخجل أن تقذف بنا في عتمة الكلام، كما لو كنا مجرد خفافيش أو أشباحاً في أقبية مهجورة تخيف الأطفال، وتحرس عرض وشرف الرجال الكرام، من شيطان المتعة، قبح الله سعيه، وهو لا يكف عن خلق عشرات الأحابيل والحيل، المسنودة بسلاحه الفتاك: الوسواس القهري الذي ظل يلازمني، طيلة مرحلة الشباب في انتظار جودو الطبيب الحمزاوي، كالظل دون أن نقوى على خشونة الانتهاك. كنا أوفياء لحكاية الحب ونحن نخون أجسادنا بحرمانها من ويل لوعة اللذة التي لا تقهر. كان الله معكم وكان الشيطان من نصيبنا في المتع الذاتية حين يطول غياب الرجال. وفي هذا لا تختلف الأم عن ابنتها. ألم تكن لنا أسرار وزوايا معلومة لتبادل الأحزان وتخفيف عذابات الآلام؟ ألم تكن لنا ذكريات وأحلام والكثير من الأوهام، عن العشق والحب في جحور وأقبية لا تتسع لسهم الهوى ناهيك عن القبل؟
بهذه البساطة يسدل ستار السرد بخفة ساقطة على فتاة كانت أصغر وأحقر من أن يكون لها اسم “حياة”. وهي تحلم بحياة مفعمة بالحب، كطائر فنيق يهرب من الحي المزبلة ولا ينبثق من أسطورة الرماد. بهذه الصفاقة تؤرخ لنفسك أيها السارد اللطيف ومن معك من رجال وشباب الحي الشعبي، كأن الأقبية كانت خالية من محن عذابات النساء. بهذه البساطة في الحكي فتحت كوة لفتاة تكنس شرفة قبو على إيقاع اللمس بالعيون، التي يسكنها العمش، الذي كان يمارسه ولد الهواري المعروف بالحمزاوي، قبل أن يصير طبيبا.
بهذه الوقاحة تنسج نصك أيها العنكبوت فتجعل من حضورنا مجرد اهتزازات أخيرة لضحية وقعت في مصيدة النسيان وخيبة الانتظار، ولعنة الخيانة، واحتراق زهرة العمر بين هجير الحر والموت، كذبابةٍ ليس لها قيمة، فوق كثبان الرمال. ألم تكن تعلم أيها السارد اللطيف، أو المزعوم، ولا أنت أيها الدكتور الملعون، الأيام والشهور والسنوات وأنا أنزف في انتظار فارس الأحلام الهارب بين صفحات ألف ليلة وليلة من خنز الحي الشعبي لبراريك القصدير، مستمتعاً بلذة الألم المسكون بعذابات الحرمان في اللمس والشد والجذب والرعشة هي المبتغى، بين أحضان امرأة هولندية دافئة تحيي الجسد وهو رميم؟ في وقتٍ كنت لا أتوقف عن لعب الأطفال في بناء قصور الحب من رمال فاضت عليها دماء الآباء وهم يذبحون في عز النهار غدراً، من الوريد الى الوريد. أذكر يوم جاء خبر المجزرة المروعة حيث كثير من الأسر فقدت آباءها، وخيم حزن أسود شرس يحفر في الأعماق أخاديد الألم والرعب وعذابات الفاجعة الرهيبة. استرخصت علينا البكاء والخيبة والانكسار والضياع ودلالة الفقدان ولم تمنحنا حق الكلام. هل كان التعبير يستعصي عليك، أم كنت مأخوذاً بسحر اللغة و ضيعتنا بين حفر الكتابة، كما لو كان حقاً أن نُيتّم مراتٍ كثيرة، مرة بيد الأعداء، ومرات بأيدي بني جلدتنا الذين تقاسمنا معهم ملح طعام الحي، الحلو والمر بين شقوق الأقبية المسماة بيوت سكنية؟
كانت لكم شجرتكم المباركة وهي تشهد صراع الديكة الذي تمارسونه بجنون القهر والاحتقار، دون كلل ولا ملل باستمرار. كانت لكم قصص وذكريات ووقائع و أضغاث أحلام وشطحات في الثقافة والسياسة، وشغب الطفولة ومغامرات الشباب، وكأن لم يكن في الحي كله غير الرجال. هكذا إذن بحد سيف اللغة تسلخ منا ذواتنا ونتحول الى مجرد مواضيع على أيدي من أحببناهم وكانوا جزءاً حياً منا، وإذا بنا على قارعة منعطفات السرد ننتظر عطف السارد أن يمنّ علينا بالعبور العابر لمنصة الكلام، كضحايا خلفتها بشاعة الزمن الرديء، أو مجرد أسرّة يفرغ فيها الرجال الحقارات والمهانات التي تعرضوا لها من قبل الضباط والأجهزة الأمنية. لذلك كنا في نظرهم آلات لتفريخ الدجاج البشري في مزبلة الحي أو الحومة المغضوب عليها إلى يوم الدين.
صديقي السارد، عليك أن تعرف أنّ أبشع شيء يمكن أن يتعرض له الإنسان هو أن يكون مجرد محطة عابرة في حياة الاخرين. والأبشع من ذلك أن يجد نفسه في وضعية انتظار جودو، دون أن يرف جفن الضمير الأخلاقي للذين اغتصبوا منا زهرة الحياة، ونحن في مقتبل العمر بعد أن أوهمونا بعهد العودة. هكذا كان يغير كل واحد منكم حياته من تجربة لأخرى ومن مغامرة لأخرى، جاعلين من الحي الشعبي مجرد ماضٍ قابع في مرجل الزمن، يغلي على وقع حرارة الذكرى…
كان لكل شيء أن يمر بسلام وندفن كالغرقى والمفقودين، كأننا لم نكن ولا عبرنا هذه الحياة الدنيا. المذلة والمهان، والزلط الموشوم في القلب والنفس والذاكرة. كان يمكن أن تحكي لأطفالك، أو أصدقائك بصمت، القمع والفاقة والقهر، وأنت ترتب الوقائع والأحداث، وتنسج العلاقات والترابطات لتحتل بؤرة السرد أيها البطل. لكن بما أنك نشرت الغسيل القذر أمام من يسوى ومن لا يسوى وجعلتني مجرد شاهدة قبر لتراجيديا العشق الذكوري الذي تناسل أبا عن جد في التراث الأبوي من قيس وليلى، وجميل بثينة واللائحة طويلة مرورا بجواري البلاط الأموي والعباسي. وما حيك في الظلام من لدن المجانين الشعراء الذين كرسوا سحر وسطوة وشيطان المرأة، كموضوع خطير فاجتنبوه لعلكم تفلحون. فلا بد أن أقول كلمتي قبل نطوي هذا السِّفر والسّفر في الحياة، كمحاولة أو مغامرة فاشلة لا أقل ولا أكثر.
أهذا هو العشق والهوى والحب الذي هربت منه أيها الدكتور، خوفا من لوثة الجنون أيها العاشق المحموم بدوافع الجنس المقموع، في حفر الخجل والحياء، والوصايا العشر للحاج الهواري المقهور، وإخوة يئنون من الجوع والبرد، وقهرة الاحتقار التي تعذب الوجدان والنفس.. والحرام المكبوت بشح الأمكنة وقلة الرزق وضعف الحال؟.
هكذا إذن تجاوزت الواقع بالخيال وصنعت لنفسك وهماً من فاقة الجسد المحروم، وزينته بكلام الحب. ها هي رسائلك بين يدي تشهد بالجرم، وهي تفضح تعاسة حبك الذكوري الآتي من جوف مستنقع تاريخ جدك المسكون، بلعنة الحريم في شهوة الفرج والبطن. هل أواصل سرد هلوساتك في الحب وأنت لا تملك قلباً يجعلك تنظر في عيني المرأة، عوض أن تغيبك عيون شهوتك الحارقة بين ساقيها، وأنت تعتلي تضاريس ردفيها كحيوانٍ مدفوع إلى التخلص من جنون غريزته.
أعرف.. نعم أعرف .. كم هو مقرف هذا الهذيان الذي اعتلى منصة دماغك، لكنك لم تكن بطلاً بما فيه الكفاية، لتمارس حق الاعتراف على أنك اختزلت نفسك، وكنت مجرد عضو ينزف تحت الحزام. هل أواصل هذيانك أيها البحار الماهر في انتقاء لحظات الحب المثالية التي لا تتكرر. حيث كنت تنسخ امرأة بأخرى في حياتك، كما لو كنت تغير ملابسك الداخلية العفنة. وأنت أدرى بتعبيرك المفضل: عصفور في اليد خيرٌ من عشرة على شجرة البراكة.
لنغير الجو قليلا، ، نحن المغاربة نقوى على الجو فنغيره كما نشاء، لأننا مترعون بهزائم الواقع التي لا تقهر، فنتحايل على الخسارة بخسارة أفظع منها، في السقوط ونحن نعتقد أن في ذلك يكمن النهوض.
آه.. قلت لنغير الجو وها أنا أغرق في الثرثرة التي تزكم أنوف الرجال فيحكمون على المرأة بأنها مسترجلة، لأنها حاولت أن تعري عورة الرجال. دعنا من هذا اللغو، هيا استمع الى هذا الحب الكريم، سوف أعيد قراءة هذه الرسالة الرائعة التي وصلتني منك وأنت في مدرسة الطب تتعلم كيف تخون قسم أبو قراط وتفتح محلاً للجزارة بتصريح من غرفة التجارة، بعيداً عن مسؤولية وزارة الصحة. أليس هكذا تفتح العيادات في المغرب كحديقة خلفية لما تنهبونه من المصحات الخاصة، و المستشفيات العمومية؟
حبيبتي حياة..
تعجز الكلمات عن وصف هذا الشعور العارم الذي يكتسحني وأنا أتذكر تلك اللحظات الجميلة، ونحن نتأمل لوحة السماء المزينة بأشكال مختلفة من النجوم، ورموز أخرى مضيئة، لكنها ملتبسة المعنى والدلالة، لم نكن نفهمها، ومع ذلك على ضوئها الجذاب وجمالها الأخاذ كنا نتخيل حياة الأبد التي ستجمعنا دائما ومستقبلا. نعم بالفم الملآن أقول لك الآن ما كنت أقوله بهمس الليل ونحن نسترق القبلات الدافئة، خوفا من عيون المتلصصين بومة الدوار الملعونة التي تزف الموت والقهر والضياع.
حبيبتي: أحبك إلى الأبد.
لا أتصور أنني أستطيع العيش بدونك، ولهذا أجد نفسي في عذاب جهنمي وسط هذه المدينة التي فجرت كل شيء في وجهي، وهي تعاملني باحتقار كالغريب غير المرغوب فيه. شيء ما في نفسي مترسب في الأعماق يحول بيني وبين خطواتي الأولى في هذه المدينة الغامضة والملتبسة. شيء ما يقف سدا منيعا بيني وبين الإقبال على الحياة بنشاط وفرح عارم. لا أعرف حجم الخراب الذي سببه الحي الشعبي المقرف في دواخلي، حياة القهر والذل والمهانة، وعشرات الآلاف من المآزم النفسية التي تحاصرني بالدونية والتبخيس والنبذ الذاتي…
إنه لأمر غريب حبيبتي في الوقت الذي كان علي أن أعتز بنفسي وأشعر بالفخر الأصيل، كابن لرجل يحمي ظهر الوطن، وهو يواجه الأعداء بصدره العاري، أجدني مشلولا عاجزا، كما لو كنت ابن وغد لوغد أبا عن جد.. ألسنا أبناء حماة الوطن؟
آه .. كم هو مؤلم أن نكتشف أننا مجرد نشيد وطني ساحر براق يخفي محنة الحي الملعون، بين القشالي، الأقرب الى مزبلة المدينة.. أكتشف الانكسار العميق في جوفي، وأنا أتمزق وأعاني الأمرين في استحالة أن أمشي وسط الناس رافعا رأسي، منتصب القامة. وكيف يمكن لشاب ولد وتربى وسط الأقبية وبين الحفر العطنة للخراء اليومي أن يشعر أنه إنسان.. لقد خربنا الحي المهمش وسلخ منا إنسانيتنا، وإذا لم تحفظنا نواتنا العميقة من الشر قد نتحول الى وحوش شرسة..
حبيبتي حياة كل شيء يختنق في داخلي، كأن حمم البركان التي تهتز في داخلي تحرق كل شيء، تأتي على الأخضر واليابس. الكلمات تهرب الى مثواها الأخير، وتتمنع بوقاحة رافضة أن تمنحني نفسها في هذه العزلة النفسية الرهيبة. لولا إصراري الكبير على النجاح في دراستي لعدت مهرولا على قدمي في أقرب فرصة الى الحي الملعون بعشرات اللغات. لكن حقدي الكبير لهذه المزبلة الوطنية، التي احتضنت طفولتنا وجزءا كبيرا من مراهقتنا، يحفزني على العض بالنواجد على شعاع الأمل الذي انفتح أفقه في وجهي وأنا ألج كلية الطب.
أعدك باسم حبنا الكبير أن يوما قريبا كالحلم، كومض البرق، كلحظة صغيرة في الزمن، سيجمعنا سقف واحد كزوجين عاشا أجمل قصة حب رائعة، يحكيها العشاق في وضح النهار إيمانا منهم بقوة حبهم على تحدي الأشواك، وتخطي جدران المنع والحصار ، وخلق على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
أشدك على يدك بحرارة.
هل غيرتك المدينة أم عرتك وظهر وجهك الحقيقي، بعد أن سقط قناع الحب مخلفا وراءه رجلا لا يختلف عن الرجال، في الكذب والبهتان، تغطية لوحش الكبت والحرمان القابع في حفرة المثلث الجنسي الرهيب. حيث لا مشاعر ولا عواطف ولا أخلاق ولا قصيدة حب في غزل العينين. هكذا توالت الليالي الحمراء، من مومس لأخرى، وهي تفسد قداسة لحظات غزواتك العلمية.. كم كنت قذرا أيها الطبيب الموعود باكتشاف سر الداء لبيع الدواء. كنت مجرد أداة في يد السوق الجشعة.. الآن عرفت البون الشاسع بين من يفكر في الهروب من الحي القذر الذي احتضن طفولتك وشبابك، ومن يعمل من أجل إنقاذ الإنسان.
وأنت تذكر ليلة ذلك اليوم المشؤوم، حيث كنت على موعد مع عرض أمام زملائك حول ” وظائف الخلايا في الجسم البشري” عرفتُ أن الانسان قد صار في نظرك مجرد زبون وفق قيم السوق، ولهذا كنت تشتري المتعة العابرة لرتق جراح الجنس العاري. كم من الترهات والتفاهات والأكاذيب كانت تجري بسرعة تحت جسر استحقاق حب “حياة” والدفاع عن سمعتها إزاء ما يتهددك به الحساد كما تقول.
والآن أنا في وضعية من يتمنى أن يسدد اللكمات الى وجهك الوسخ، وأسقطك أرضاً دفاعاً عن سمعة “حياة” التي جعلتها مجرد خرقة بالية تتلاعب بها الألسن السليطة اللاذعة والعيون الساخرة التي لا تكف عن قهقهات الاستهزاء.
لا أعرف ما الذي جعل السارد صامتا كشيطانٍ أخرس، وهو يشهد الجريمة التي هي يوما ما في تطور القانون الأخلاقي الإنساني، جريمة لا تقل بشاعة عن والذل والمهانة والقهر الذي عشناه جميعا في الحي المعفون. كما لا تقل تخريبا للعمق النفسي الذي عانينا من ويلاته منذ الطفولة، الى حد، لا يمكن لآثاره الدنيئة والبشعة أن تزول. فماذا إذا كانت ضربة الغدر قد أتت من الخلف من طرف الذي أحببته واعتبرته جزءا حيا من ذاتي، وأنا أمنحه سر النواة الحميمة التي تشكل عمق الانسان، وتجعله قوياً في وجه المحن والقهر والظلم والطغيان، ويحرص كل إنسان أن لا يصل إليها اليأس الهدام، أو يد الجلاد؟