مزرعة الحيوان رواية تتكلّم عن أزمة الاستبداد وديكتاتورية الحكّام

بقلم: أمل صيداوي

– الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: “أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة، وأخي الغدر وأختي المسكنة، وعمي الضر وخالي الذل، وابني الفقر وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال المال”.

عبد الرحمن الكواكبي من كتاب  طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

كتب جورج أرويل رواية مزرعة الحيوان كإسقاط على نظام ستالين في روسيا أثناء الحرب العالمية الثانية وما قبلها، لكنني شعرت أن الرواية تُعدّ وصفًا مفصلًا لكل الثورات التي يقفز عليها الديكتاتوريون والمستبدون من مختلف الجنسيات والقوميات والبلدان أمثال الثورة الفرنسية التي يجمع غالبية المؤرخين على اعتبار تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أحد أبرز أسباب الثورة. انتهت الثورة الفرنسية  أخيراً بدكتاتورية نابليون الذي توّج نفسه امبراطوراً على فرنسا.

 كما يمكن إسقاط بعض شخصيات رواية قصة مدينتين (التي تكلّم فيها الأديب تشارلز ديكنزعن الثورة الفرنسية بعين انكليزية)على الشخصيات الحيوانية في رواية مزرعة الحيوانات.

يعجز السيد جونز( الذي يرمز للمجتمعات الأرستقراطية، وما تحمله من فساد على حساب الفلاحين المضطهدين مادياً واجتماعياً )عن إدارة المزرعة والعناية بالحيوانات، وهو يفرط في شرب الخمر.

أشاع الخنزير “ميجر” فكره الثوري في أرجاء المزرعة، وصوّر حياة البؤس والشقاء في مزرعة السيد جونز، وألقى الضوء على اضطهاد ومحنة الحيوانات وكان هو صاحب فكرة الثورة الأصلي، لكنه لم يعاصر تنفيذها، يشبه  “ميجر” صاحب الحكمة والمهابة، يشبه المفكرين الذين يهبون لإيقاظ شعوبهم من سُباتها ويُنبهوها إلى حقها المسلوب ويُلهبون حماسها إلى الثورة والانتقام أمثال: لازار نيكولا مارغريت( الكونت كارنو الفرنسي) الذي عُرف بلقبي “كارنو الكبير”‏، و”منظم النصر “‏ في حروب الثورة الفرنسية.

ثارت الحيوانات جميعها على النظام المستبد وتخلصت منه، ثم رفعت شعار “كل من يمشي على قدمين فهو عدو” في إشارة إلى رفض النظام الدكتاتوري.

بعد الثورة أصبح لكل حيوان وظيفة خاصة، ونمط خاص في العيش. أصبح سنوبول الرئيس الأصلي للمزرعة بعد الانقلاب على جونز، حيث صمّم سنوبول رسماً لطاحونة أراد أن تقوم الحيوانات ببنائها، وقد حاز على ثقة معظم الحيوانات، إلا أن نابليون يطرده من المزرعة بمعاونة كلابه مع أن سنوبول عمل لصالح المزرعة والحيوانات وسعى لتحقيق حلمهم. يمكننا إسقاط شخصية سنوبول في رواية “قصة مدينتين” على شخصية الثائر الفرنسى الشهير “جورج جاك دانتون” الذي صرخ وهو يقف أمام مقصلة الإعدام، مبتسماً بسخرية، ويلتقط أنفاسه الأخيرة “إن الثورة تأكل أبنائها “، وذلك بعدما صدر حكم ضده من بعض رفقاء ثورته ممن اتهموه بأنه “خائن للثورة”، مستكملاً بذلك المثل الفرنسي القائل: “من السهل ان تبتدئ الثورات، ولكن من الصعب ان تنهيها بسلام”.

مثّل الخنزير نابليون في الرواية شخصية الطاغية الذي يثبّت سلطته بالاعتماد على جراء صغيرة أخذها من أهلها ليربيها فتكبر كلاب حراسة شرسة تمثل الشرطة السرية. انفرد بالسلطة بعد إقصاء رفيقه سنوبول واستناداً إلى دعاية مضللة يطلقها الخنزير سكويلر، وبالإرهاب الذي تمثله الكلاب الذي يضمن خضوع الحيوانات الأخرى له. قام الخنزيرنابليون قام بتغيير الوصايا التي قامت عليها الثورة تدريجياً لصالحه. وبنهاية الرواية نجد نابليون ورفاقه الخنازير قد تعلموا المشي منتصبين وأخذوا يتصرفون كالبشر الذين كانوا قد ثاروا عليهم. ينشر نابليون شائعات لإظهار سنوبول بمظهر الشرير الفاسد الذي كان يخطط لتخريب حلم الحيوانات بتحسين المزرعة. يمثّل نابليون النظام الاستبدادي والحكم الدكتاتوري الذي يعتمد على القوة والتسلط والقمع للسيطرة على المجتمع والحفاظ على السلطة. ويتميز هذا النظام بعدم احترام الحريات الفردية والديمقراطية، ويقوم على القمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتشمل علامات النظام الاستبدادي عدم وجود حرية التعبير والاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدامات السياسية والتضييق على المعارضين ومن أمثلة الأنظمة الاستبدادية ألمانيا النازية، وكوريا الشمالية، والحكم الملكي في فرنسا.

كان للغراب موسى دور هام في الرواية حيث كان يأتي من حين لآخر إلى المزرعة بحكايات عن موضع في السماء يسمى جبل السكاكر الذي هو كناية عن الجنة، وهو لا يعمل، ، كما أنه يمثّل رجال الدين الموالين للحكام أي للسيد جونز. في عهد ما بعد ثورة الحيوانات يُحرَّم الدين. لم يستسغ الغراب مساواته بالحيوانات الآخرين لذا فقد غادر المزرعة بعد الثورة، إلا أنه يعود لاحقا ليواصل التبشير بوجود جبل السكاكر. يربك الحيواناتِ سلوكُ نابليون تجاه الغراب موسى، فهو من ناحية يرفض ادعاءاته على أنها هذيان، إلا أنه يدعه يبقى في المزرعة، فيما يبدو أنه رغبة الخنازير في أن يُبقوا على أمل الحيوانات في حياة أفضل في العالم الآخر، وربما لإبقائهم مشغولين بجبل السكاكر بدلاً من الانشغال بمراقبة الخنازير وربما التمرد عليهم، وعموماً فإن موسى أحد الحيوانات القلائل الذين يتذكرون زمن الثورة، ومعه الفرس كلُفر، والحمار بنيمين، والخنازيرالمتمردين.

أظهرت الخراف أقل فهم للأوضاع السيئة بعد الثورة وقاموا بتأييد نابليون رغم خيانته، وكثيرا ما كانوا ينشدون “أربعة أرجل حسن..رجلان سيِّيء” واعتمد عليهم الخنازير لإخماد أي معارضة بالصياح والتهليل. في نهاية الرواية يتم تغيير إحدى الوصايا السبع بعد أن تتعلم الخنازير المشي على ساقين، لذا فهم يصيحون “أربعة أرجل حسن..رجلان أحسن. وقد مثّل الخراف جموع العمال الذين يحركهم نابليون كالروبوتات.

كان الحصان  بُكسر مخلص ومتفان وطيب وأقوى حيوانات المزرعة جسماً، ويمثّل طبقة العبيد التي تمتثل للأوامر، جهله وثقته العمياء في قُوَّاده تقودانه إلى مصرعه ومكسبهم، وتحديداً فإن عمله الجسدي الشاق، ومقولته «سأعمل بكد أكبر» تستدعي شخصية يورجس رُدكَس في رواية الكاتب الأمريكي أبتن سنكلير المعنونة الدغل، ومقولته الثانية “نابليون دوماً مصيب” مثال على نجاح بروباغندا سكويلر. كانت أخلاق بُكسر في العمل محل مديح الخنازير وضربوا به مثالا وقدوة للحيوانات الأخرى ليحتذوا حذوه، لكن عندما أصيب بكسر ولم يعد قادرا على العمل فإن نابليون يرسل به إلى جزار الخيول المريضة ويخدع الحيوانات الأخرى بقوله إن بكسر قد مات في سلام في مستشفى وأن عربة الإسعاف كانت عربة جزار الخيول التي لم يعد طلاؤها.

لم يكن للجرذان أي دور في قيام الثورة إذ كانوا رماديين لامؤيدين ولامعارضين

تكشف رواية قصة مدينتين عن أزمة الوجه المظلم للثورات، بحيث أن مفاهيم العدالة والحرية التي تنادي بها قد تكون قناعاً لعمل انتقامي وحشي ضد الإنسانية، عبر التركيز على الممارسات الوحشية التى مارسها الثوريون ضد الأرستقراطيين فى السنوات الأولى للثورة، من نهب وقتل وإبادة والهجوم على قصور النبلاء والعمل على إحراقها وهدمها، وتماثلها رواية مزرعة الحيواناتالتي تحكي كيف تتم سرقة الثورات وتحريفها عن أهدافها الحقيقية، لتنتهي في آخر المطاف إلى ديكتاتوريات أشدّ وأقسى من التي ثارت عليها. قدم لنا أورويل مراحل الثورة، بدءا من مرحلة التنظير الفكري لها، مروراً بالجيل الذي يقوم بالثورة، وهو مؤمن بأهدافها ومخلص في سبيل تحقيقها، وانتهاء بالأفراد الانتهازيين الذين يتسلقون ظهر الثورة فيقومون بتأليب الرأي العام على من قام بالثورة وينقلبون على الحكم.

اترك ردّاً