أخماتوفا بلا قصائد: ماذا فعلت الكاتبة إلى جانب الشعر؟

أخماتوفا بلا قصائد: ماذا فعلت الشاعرة إلى جانب كتابة الشعر؟

١- العمل في المكتبة:

بعد ثورة أكتوبر، وفي فترة عصيبة لها ولسكان بطرسبورغ جميعًا، اضطرت أخماتوفا إلى كسب قوتها بطرق شتى، فعملت في مكتبة المعهد الزراعي، الذي يُعرف اليوم بجامعة سانت بطرسبورغ الزراعية الحكومية. لم تقتصر مهامها على تنظيم البطاقات وإعارة الكتب فحسب، بل عاشت أيضًا بجوار المكتبة، في انعكاس لحياة تقشفية فرضتها الظروف القاسية.

٢– الترجمة عن اللغة الكورية:

لم تكن أخماتوفا شاعرة وحسب، بل مارست فن الترجمة أيضًا، لا سيما خلال الفترات التي فرض فيها عليها الصمت. ورغم أنها لم تعتبر نفسها مترجمة متميزة، فإنها أهدت القرّاء أعمالًا من الشعر الكوري والصيني الكلاسيكي، فضلًا عن مختارات من شعر مصر القديمة، وقد نُشرت العديد من مجموعات ترجماتها في أثناء حياتها. كما امتدت جهودها الترجمية إلى اللغات البولندية والأرمنية والأوكرانية والتشيكية.

٣– دراسة فن بوشكين:

كانت أخماتوفا مولعة ببوشكين، ليس فقط لأنه شاعرها المفضل، بل لأنها نشأت ودرست في تسارسكو سيلو، حيث درس هو أيضًا. ونتيجة لهذا الشغف العميق، كرّست نفسها لدراسة إبداعه دراسة جادة، خاصة في عشرينيات القرن الماضي، حيث وضعت أعمالًا مثل “بوشكين ونيفسكي بروسبكت”, “ضيف من الحجر عند بوشكين”, و*“كلمة عن بوشكين”*. وفي الثلاثينيات، شاركت في لجنة بوشكين التي كانت تُعدّ لإصدار المجموعة الأكاديمية الكاملة لأعماله. أما في سنواتها الأخيرة، فقد كرّست جهدها لكتابة كتاب عن وفاة الشاعر، لكنها لم تتمكن من إكماله.

٤- اقترابها من جائزة نوبلتكشف الوثائق الأرشيفية للأكاديمية السويدية:

التي ترفع السرية عن قوائم المرشحين بعد مرور خمسين عامًا، أن آنا أخماتوفا كانت مرشحة محتملة لجائزة نوبل في الأدب لعام 1965. وقد أشاد رئيس لجنة نوبل، أندرس إسترلوند، بشعرها قائلًا: “لقد أُعجبتُ بشدة بإلهامها الأصيل وبراعتها التقنية المتطورة، لكن أكثر ما أثّر فيّ هو مصيرها المأساوي—سنوات طويلة من الصمت القسري المفروض عليها!” ومع ذلك، منحت الجائزة في ذلك العام للكاتب ميخائيل شولوخوف عن روايته “الدون الهادئ”.

كما رُشحت أخماتوفا للجائزة مرة أخرى في عام 1966، لكنها رحلت قبل إعلان النتائج، ما جعل لجنة نوبل تلغي ترشيحها وفقًا للقواعد المعمول بها.

٥– إلهامها للفنانين:

لم يكن تأثير أخماتوفا مقتصرًا على الأدب، فقد ألهمت العديد من الفنانين التشكيليين. من بين هؤلاء الرسام الإيطالي أميديو موديغلياني، الذي التقاها في باريس عام 1910، فرسم لها أكثر من اثني عشر لوحة، تجسّد فيها حضورها الفاتن وشخصيتها الفريدة.

٦– نيلها درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد:

قبل عام واحد من رحيلها، وتحديدًا في عام 1965، منحتها جامعة أكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية. وقد حضر الممثل السوفيتي أركادي رايكن المراسم، ووصف المشهد قائلًا:“دخلنا القاعة، وإذا بنا أمام مشهد مهيب… صفوف من البروفسورات بملابسهم الأكاديمية تحيط بالمكان، وفي أقصى القاعة، على كرسي ذهبي أقرب إلى العرش، جلس رئيس الجامعة وهو يحمل وثيقة الشرف… دام الحفل نحو ثلاث ساعات، وفي نهايته دخلت أخماتوفا.

كان مشهدًا مهيبًا، وكأننا أمام خروج ملكة. كانت ترتدي عباءة أرجوانية، لكنها رفضت ارتداء القبعة التقليدية، إذ رأت أنها لا تليق بها، وقد استُثنيت من ذلك رسميًا.

لم يقتصر التغيير على هذا التفصيل البروتوكولي، فقد أُعفيت من الصعود إلى المنصة أو الركوع وفقًا للعرف المتّبع؛ بل جاء إليها رئيس الجامعة بنفسه ومنحها الشهادة.”

٧– ظهورها الإذاعي أثناء حصار لينينغراد:

حين فرض الجيش النازي حصاره الخانق على لينينغراد، كانت أخماتوفا هناك، تستخدم صوتها سلاحًا لمقاومة الخوف واليأس.

عبر أثير الإذاعة، خاطبت سكان المدينة بلهجة واثقة:“منذ أكثر من شهر، والعدو يهدد مدينتنا بالغزو، ويلحق بها جراحًا عميقة. مدينة بطرس، مدينة لينين، مدينة بوشكين ودوستويفسكي وبلوك، مدينة الثقافة والعمل الجبار، تتعرض للخطر.

لكنني، مثل جميع أهل لينينغراد، لا أفكر إلا في شيء واحد: أن مدينتنا، مدينتي، لن تُداس أبدًا! حياتي كلها متشابكة مع لينينغراد—هنا أصبحت شاعرة، وهنا تنفست قصائدي الحياة.

وأنا، مثلكم جميعًا، أعيش على يقين واحد: لن تُصبح لينينغراد فاشية أبدًا!”

٨– قراءة الشعر في المستشفيات العسكرية:

خلال الحرب الوطنية العظمى، نُقلت أخماتوفا إلى طشقند، وهناك، بجوار منزلها، كان مستشفى يعجّ بالجنود الجرحى. لم تتردد في زيارته مرارًا، تقرأ لهم قصائدها، تُواسيهم بالكلمات، وتبعث فيهم الأمل.

وصفت الشاعرة والمترجمة سفيتلانا سوموفا تلك اللحظات قائلة:“كان بعض المرضى مقطوعي الأيدي أو الأرجل، يعانون آلامًا مبرحة… في غرفة واسعة، كان يرقد شاب غارق في العذاب.

اقتربت منه أخماتوفا، جلست بجوار سريره بصمت، وبدأت تقرأ له قصائد حب بصوت خفيض… في البداية، بدا الأمر غريبًا—لماذا تقرأ قصائد عن الحب لأشخاص يكادون يكونون بين الحياة والموت؟ لكن شيئًا ما تبدّل في الأجواء.

هدأت الغرفة، تلاشت علامات التوتر عن الوجوه، ثم، فجأة، ارتسمت ابتسامة على شفتي ذلك الشاب الموجوع.

كان جسده محطمًا، وحياته معلقة بخيط، لكن روحه ما زالت تنبض… بالحب، بالكرامة، بالحياة!”

المصدر: vk. cc/9HU7wj

اترك ردّاً