
الكرد في اليمن في العهود الساسانية، الإسلامية، الأيوبية، الرسولية، اليزيدية، الطاهرية، المملوكية العثمانية والحديثة.
اليمن ذاك البلد الجبلي، يسكنه شعب، لطالما عرف بالطيبة والبساطة، شعب وجد نفسه داخل صراعات مذهبية دينية، وإيديولوجيات سياسية حتى الوقت الحاضر.
كان اليمن في فترة ما قبل الفتح الإسلامي، مشتتاً بين عدة قبائل ودويلات وإمبراطوريات كبرى، حيث كانت هناك قبيلة حِمْيَر، وكِنْدَة في حضرموت، و همدان وكانت صنعاء وعدن وما حولهما تابعة لحكم الساسانيين الكرد – صحيح أن الساسانيين ينحدرون من أسرة كردية الأصل، لكن الدولة كانت باسم الفرس، د. أحمد خليل – ، وكانت نصارى نجران تابعة للحكم الروماني. وعن الساسانيين، حاول العديد من الباحثين والمؤرخين الكرد ك / د. أحمد خليل، ود. مهدي كاكائي وغيرهم من غير الكرد، البحث في نسبهم الكردي الأصل؛ استناداً على مصادر ومراجع إسلامية وأجنبية عدة.
يعد الملك أردشير الأول مؤسس الإمبراطورية الساسانية، ويرجع نسبه إلى أردشير بن بابك بن ساسان (1)، وساسان هذا كان كاهناً زرداشتياً على بيت نار أصطخر بين نار أناهيذ حيث كان شجاعاً شديد البطش، وزوجته رامبهشت ذات جمال وكمال، كانت من قوم من الملوك يعرفون بالبازرنجين (بازرنگي). [الطبري ج ۲ ص ۳۷،۳۸].
أخذ اردشير حكم أصطخر من أخيه سابور ثأراً في سنة ۲۰۸ م، وبدأ فيما بعد بالتوسع في أراضي الإمبراطورية البارثية «الفرثية» الإشكانية، وهذا ما أثار الغضب لدى آخر ملوكها كان اسمه أردوان الخامس، فأرسل إلى أرد شير مكتوباً يحذره من أفعاله، كما وفي الرسالة لكردية الأسرة الساسانية والتي ذكرها الطبري في تأكيد كتابه تاريخ الرسل والملوك، حيث جاء في الرسالة: إنك عدوت طورك، واجتلبت حتفك، أيها الكردي المربى في خيام الأكراد من أذن لك في التاج الذي لبسته ؟ والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها وأهلها ؟ ومن أمرك ببناء المدينة التي أسستها في صحراء – يريد جور – ؟» فيرد عليه أرد شير : «إن الله حباني بالتاج الذي لبسته وملكني البلاد التي افتتحتها، وأعانني على من قتلت من الجبابرة والملوك، وأما المدينة التي أبنيها وأسميها رام أردشير، فأنا أرجو أن أمكن منك فأبعث برأسك وكنوزك إلى بيت النار الذي أسسته في أردشير خرة.» [الطبري، ج۲، ص ۳۹، ص ٤٠] بعد هزيمة جيش أردوان الفارسي على يد أردشير الكردي، قتله أردشير ومنذ ذلك الوقت سمي بأردشير الشاهنشاه أي ملك الملوك وبدأ بالتوسع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
في الثلث الأخير من القرن السادس عشر غضب أحد أمراء اليمن وهو سيف بن ذي يزت؛ من خضوع البلاد تحت سيطرة الأحباش المسيحيين، فطلب المساعدة من إمبراطور بيزنطة (جستين الثاني) إلا أنه رفض لأن الأحباش على نفس دينه، فذهب إلى الإمبراطور الساساني أنو شيروان (۲)، فأرسل انوشیروان معه و هرز «بهريز»(٤) ، وأبنه نوزاد على رأس قوة استكشافية تدعى أسواران (٣) وكان غالبيتهم محاربين من الديلم وجوارها – والديلم، هم قوم من أصل كردي المنجد العربي ، ط ٢١ ، دار المشرق ، ۱۹۷۳م]، وأيضاً ذكر اسمهم في المعجم الوسيط ( الدَّيْلَمُ : جيل من العجم كانوا يسكنون نواحي أذربيجان المعجم الوسيط ، أما الحميري فيذكر اسم مدينة الكلار في باب الكاف من كتابه، بأنها مدينة من مدن طبرستان، وبها أكراد الديلم وهم أهل الفروسية والنجدة [ الحميري، ج ۱، باب الكاف الكلار فقاتلوا الأحباش مع حلفاء سيف بن ذي يزن الحميري وطردوهم من اليمن ونصب سيف بن ذي يزن ملكاً عليها كشخص تابع للإمبراطورية الساسانية.
بعدها عاد وهرز إلى الدولة الساسانية في ٥٧٥ م ، ولكن الأثيوبيون قتلوا الملك سيف بن ذي يزن مما. اضطر وهرز إلى العودة على رأس قوة قوامها ٤٠٠٠ رجل، فطرد الأثيوبيين منها، وأصبح صاحب وملك اليمن و تشكلت في تلك الفترة الحامية قوة ساسانية كبيرة في اليمن تعرف الآن باسم آل الأبناء نتيجة تزاوج الجنود الساسانيين مع السكان المحليين. بعد قتل وهرز على يد الأثيوبيين ، نصب مكانه مزربان واستمر الحكم الساساني في اليمن إلى أن أتى باذان الذي عين حاكماً على عدن وصنعاء وضواحيها بأمر من أنوشروان ويعد آخر حاكم لليمن الساسانية الذي أعلن إسلامه في ٦٢٧م بعد ذلك بدأت ظهور دعوة رسول الإسلام محمد (ص)، والذي عينه والياً مسلماً على تلك المنطقة حتى وفاته.[ ابن حجر العسقلاني، ج 1، ص ٤٦٤]. بعد ظهور الأسود العنسي (٥) والذي بدأ بنشر دينه حيث أقنع قومه بأن الوحي أتاه، فسار إلى صنعاء فخرج إليه شهر بن باذان ملك اليمن وتقاتلا، فغلبه الأسود
العنسي وقتله بعد كسر جيشه الذي تشكل من أبناء ساساني وديليمي اليمن الذين تزوجوا من اليمن . وتزوج من امرأته ، والتي كانت ساسانية الأصل امرأة حسناء جميلة واسمها آزاد، وأصبحت أغلب مناطق اليمن تحت حكم الأسود العنسي لمدة ٢٥ يوماً فقط، وارتد خلق كثير من اليمن، فأسند أمر الأبناء إلى فيروز الديلمي (٦) وداذويه، وفيروز هذا يكون هو ابن عم آزاد زوجة بازان بن ساسان، فاتفق فيروز مع بنت عمه آزاد بعد أن ساءت علاقته بالعنسي على قتل الأسود العنسي فسقته الخمر حتى نام ودخل فيروز وقتل الأسود العنسي .[ ابن كثير، ج 1 ، خروج الأسود العنسي، ص ٤٣٠]. وبعدها عاشت اليمن حياة احتدام وصراع بين قبائلها خلال العهدين الأموي والعباسي، حيث حكمها بنو زیاد ۱۰۱۹۸۱۹ و بنو نجاح (۱۰۲۲) – ١١٥٨) وبنو صليح الإسماعيليون (۱۰۴۷ – ۱۱۳۸) بعد سقوط الأخير انقسمت البلاد إلى خمس سلالات متنازعة قضت عليها الدولة الأيوبية في عام ١١٧٤م.
بدأ الوجود الكردي الثاني في اليمن أرض التهامة في العهد الأيوبي والدولة الأيوبية التي امتدت حتى عدن ومناطق من سلطنة عمان جنوباً، كانت اليمن تعيش حالة صراع بين الدويلات الإسماعيلية الشيعية قبل مجيء الأيوبيين، حيث يرجع ابن شداد سبب فتح الأيوبيين لليمن إلى ماكان من قوة عسكر صلاح الدين وكثرة إخوته وقوة بأسهم، وما بلغه من أمر ابن مهدي وتغلبه على الكثير من بلاد اليمن، وإقامته الخطبة لنفسه دون بني العباس وزعمه انتشار ملكه حتى يملك الأرض كلها دون بني العباس، وهذا ما أثار تخوّف الأيوبيين وجعلهم يفكرون بحملة للسيطرة على اليمن.
تأسست الدولة الأيوبية في مصر بالسيطرة على الدولة الفاطمية، ويبدو أن النفوذ الشيعي في عدن وصنعاء اليمنية ودولة بني مهدي الخارجي في الزبيد قد أثار مخاوف لدى الأيوبيين، فقد جهز صلاح الدين الأيوبي الكردي أخاه تورانشاه للقيام بحملة اليمن في ١١٧٤، نائب صنعاء وسيف الدين حكو بن محمد الكردي (۷) ، استطاعت رده و فرقت عسكره عندما حاولوا التقدم إلى حصن بيت خولان / من أعمال ذمار / [ يحيى بن الحسين، ص ٨٥]. سياسة معز الهوجاء وبطشه بقيادة جيشه، أدت إلى دب الخلاف بين سيف الدين حكو بن محمد الكردي بن الحسين، ص ٨٥] ، وبذلك استطاع الإمام السيطرة والشهاب الجزري، فاستمال سيف الدين حكو إلى جانب دعوة الإمام عبد الله بن حمزة والذي بدوره منحه الحماية ليستعين به في ضرب القوات الأيوبية فبايع حكو الإمام وأظهر الطاعة له بدلا من معز الدين اسماعيل بن طغتكين، ولم يمض وقتاً طويلا حتى ألحق به أحد مقدمي جيش المعز يدعى هشام الكردي يحيى على صنعاء بمساعدة قادة الأيوبيين من الكرد – حكو وهشام وشمس الخواص، لكن بعد قضاء المعز على القادة المنشقين الذين سيطروا على مناطق واسعة من المناطق اليمنيه، تدهور موقف الإمام عبد الله بن الحمزة وامتد الانقسام إلى صفوف الأشراف الزيدية أنفسهم، حيث أعلن بنو سليمان موالاتهم للمعز، حاول الإمام العودة إلى اسلوبه الأخير في استمالة القادة الأيوبيين فاستطاع استمالة قائد أيوبي يدعى هلدري بن أحمد المرواني، وبعده علم الدين ورد سار (۸) وسيف الدين سنقر، حتى أن ادعى معز اسماعيل الخلافة و الانتساب لبني أمية وهذا ما يخالف نسبه الكردي الأصلي، فاتفق جنده على التخلص منه حيث يقول السكبسي في هذا الشأن وكان راكباً – يُقصد بمعز – على بغلة، وعليه حلة طويلة الأكمام فوثب عليها الأكراد عند مسجد شاشة – يقع مسجد شاشة على بعد ميلين إلى الشمال من زبيد – فقاتلهم بالمقرعة، ودعا بحصانه، فحال الأكراد بينه وبين جواده، واستل سيفه فحالت أكمامه الطويلة بينه وبين الضرب بالسيف، فقتل وقتل معه مملوكه ومثلوا به» [الكبسي ، ص ۳۳ أ] ، ونُصب أخاه الناصر أيوب بن طغتكين خلفاً له، وهو لا يزال طفلاً في العاشرة من عمره، وعين الأمير سيف الدين سنقر (مملوك والده) أتابكاً، بعد وفاة آخر ملوك الأيوبيين المسعود صلاح الدين يوسف بن طغتكين في ١٢٢٨م تاركاً الحكم إلى نائبه نور الدين عمر بن رسول، وبدوره بدأ الحكم الرسولي وإزالة الحكم الأيوبي، وما إن حل عام ١٢٣٠ م حتى أعلن عن قيام الدولة الرسولية ولقب نفسه بالملك المنصور واستمر حكم هذه الدولة حتى عام ١٤٥٤ م، وبذلك نرى بأن الكرد كانوا عمود الدولتين الأيوبية والرسولية. وبرز دورهم في حكم الدولة وازدهارها العمراني والحضاري في المدن اليمنية وهذا ما يؤكده الكاتب اليمني د. عبد الودود مقشر. عندما جاء الملك المسعود الأيوبي إلى اليمن (آخر ملوك الأيوبيين في اليمن الذي استعاد فرض هيبة الأيوبيين على مختلف القوى والمنافسين في اليمن (١٢١٥ – ١٢٢٩) سارع بنو رسول (۹) إلى استقباله وعملوا على مساعدته في تقديم المشورة له فيما استعصى عليه من الأمور، عندما عاد الملك المسعود الأيوبي إلى مصر لزيارة والدة السلطان الأيوبي الكامل خلف الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول الكردي نائباً له في اليمن، بعد وفاة الملك المسعود الأيوبي في مكة سنة ١٢٢٩ استغل نور الدين الوضع وعين نفسه ملكاً على اليمن وبدأ بذلك في عهد دولة بني رسول في اليمن والذي استمر ما بين العامين (۱۲۳۹) – (١٤٥٤) حيث فرضوا سيطرتهم على كل القبائل والأسر الحاكمة في اليمن كالأئمة الزيديين وآل حاتم [ المقريزي، ص ۷۹]، وكان لهم علاقات جيدة مع دولة المماليك الجراكسة في مصر والتي قامت عام ۱۳۸۲ بعد الأيوبيين. حيث برز من الكرد في الدولة الرسولية بنو فيروز (۱۰) وهم من أمراء العهد المنصوري والمظفري والمؤيدي، وهم أصحاب إب من ذرية الأمير فيروز من أمراء بني فيروز في عهد الدولة الرسولية ويقال أنهم كانوا أمراء إب قبل أيام الملك المنصور، بعد اغتيال الملك المنصور نور الدين عمر بن رسول على يد نفر من مماليكه بمساعدة ابن أخيه أسد الدين اجتمع بنو فیروز و حملوا السلطان ي محمل وقصدوا به تعز فدفنوه في المدرسة الأتابكية ولولا عزمهم وتشميرهم لم يجسر أحداً على ذلك فكان المظفر بن المنصور الذي ولى الحكم من بعده يعرف ذلك لهم ويشكرهم على ما فعلوه ، فاقتطع لأبي بكر الملقب بشمس الدين طبلخانة ولأخيه عثمان الملقب فخر الدين الإقطاعات الجليلة الخزرجي، ج 1 ، ص ۸۳ ص ٨٤]، وقال عنهم الأهدل في تاريخه بنو فيروز : قوم من الأكراد تدبروا في مدينة إب منذ زمن طويل و يغلب عليهم الخير، وقومهم أهل فراسة وشجاعة محمد يحيى الحداد، ص ١٢٠]. ومنهم حسن بن أبي بكر فيروز الذي ابتنى مدرسة حسن، وابتنى من بعده أبناؤه العديد من المدارس، ولهم بقية اليوم في مدينة إب وجبل حبيش والذين في بعدان منهم وأوقافهم بوادي الظهار بإب وبرز منهم علماء وصلحاء و مدارسهم مازالت عامرة في قلب مدينة إب. الجندي، ج ۲، ص ١٦٤-١٦٥]. بعد ضعف الدولة الرسولية استقر غالبية أمراء الكرد الأيوبيين ومماليكهم في ذمار، وصاروا صناع أحداث داخل دولة الإمامة الزيدية نفسها (۱۱)، حيث استطاع المهدي علي بن محمد بمساعدة هؤلاء الأمراء من إنهاء سيطرة الرسوليين في معظم اليمن الشمالي وحارب الإسماعيليين و استولى على صنعاء في ١٣٢٣م، زوج ولده الناصر صلاح الدين بن محمد من فاطمة بنت الأسد الكردي، واستطاع بمساعدة والدها تثبيت أركان دولته، بعد أن جعله والياً على ذمار، وكانت نتيجة تلك المصاهرة حفيده علي الذي تولى الإمامة بعد وفاته. عند تولي الإمام علي بن الناصر صلاح الدين كان عمره آنذاك ۱۸ عاماً، ولقب ب المنصور والذي استعان بقوة والدته وأخواله الكرد ومماليكهم عندما عارض بعض علماء الزيديين بمبايعتهم لأحمد بن يحي الذي لقب نفسه بالمهدي، كان عهده أقرب إلى الملك، لأسباب عدة، أبرزها أنه لم يكن مستوف لشروط الإمامة، كما كان لأمه الكردية ولمماليك جده ووالده دور بارز في ذلك التحول، كانت أمه قوية مهابة، أدارت الحكم أثناء غيابه عن صنعاء باقتدار وهذا ما يظهر قدرة المرأة في كنف الدولة الأيوبية والتي كانت تلقب بالخاتون على إدارة الحكم، حيث كانت تباشر بنفسها تجهيز الحملات العسكرية إلى المناطق المضطربة القريبة والبعيدة عن ذات المدينة.
بقيت علاقة المنصور بالرسوليين حكام المنطقة بعد الأيوبيين هادئة ومستقرة، وكانت الدولة الزيدية أشبه بمنطقة حكم ذاتية على الرغم من محاولات الرسوليين الفاشلة بالسيطرة عليها، وأيضاً الزيديين الذين أيدوا الهادي علي بن المؤيد الذي أعلن نفسه إماماً في شمال الشمال، وانتهى حكم الرسوليين على يد الطاهريين الذين حصلوا على دعم مماليك مصر. ورثت الدولة الطاهرية مناطق نفوذ الدولة الرسولية حيث كان قد توطدت العلاقة بين بني طاهر وبني رسول في أواخر عهد الدولة الرسولية، وعندما أيقن آل طاهر من أن أمر الرسوليين إلى زوال لامحالة قاموا بطرد الملك الرسولي المسعود من عدن وقام الأمير عامر بن طاهر الزبيدي بتأسيس الدولة الطاهرية (١٤٥٤ – ١٥٣٩) فيما بقي الزيديين يحكمون الجبال الشمالية من اليمن وقاموا وا أيضاً بتحريض المماليك في مصر ضد آل طاهر حيث اعتبر الإمام شرف الدين الطاهريون أعداء جائرين الله.
بدأت الأساطيل المملوكية تصل إلى السواحل اليمنية في حين كان البرتغاليون يشكلون قوة نشطة في سواحل البحر الأحمر وتهدد عدن وجزيرة كمران. وهنا برز دور القائد الكردي الذي خلد التاريخ اسمه الأمير حسين الكردي (١٢) ، حيث كان قد خرج من القاهرة إلى السويس لمحاربة البرتغاليين في البحر الأحمر والمحيط الهندي، فأنعم عليه السلطان الغوري بلقب الأمير، وأقطعة مدينة جدة فاستمر فيها إلى سنة 1010. السنجاري، ص ١٧٢]، ويقول عنه النهر والي: «كان أصله كردياً دخيلا في طائفة الجراكسة، لا يملأ أعينهم، ولا يعتبرونه فيما بينهم فأراد الغوري إبعاده عنهم حماية له منهم حيث خرج على رأس أسطول يتكون من خمسين سفينة وبصحبته عدد كبير من البنائين والصناع وعند وصوله إلى جدة بدأ في إقامة سور وأبراج حول المدينة في ١٥٠٥ بأمر من السلطان الغوري لحمايتها من النهب والسلب من قبل العربان في أيام الفتن والدفاع عنها
من اعتداءات البرتغاليين. بعد أن سيطر الأسطول البرتغالي على ميناء عدن توجهوا إلى جدة ولكنهم عندما علموا بوجود أسطول حسين الكردي هناك عادوا أدراجهم مما شجع حسين الكردي على ملاحقتهم ومطاردتهم حتى سواكن ومنها إلى عدن حيث كان يحكمها نائب الدولة الطاهرية مرجان بن عبد الله الظافري فاستسلم للجيش المملوكي، ومنها لاحق الأسطول البرتغالي حتى گجرات (۱۳) وتمكن من هزيمتهم في معركة شول عام ١٥٠٨ وقتل القائد البرتغالي لورنزو د الميدا ألميدا الصغير، ولكن عدم اهتمام القانصوه الغوري لطلب حسين الكردي بامداده بالمعونة حتى يخلص على الاسطول البرتغالي بالكامل أدى إلى معاودة البرتغاليين الكرة وهجومهم على أسطول حسين الكردي وهزيمتهم في موقعة ديو عام ١٥٠٩، ما فعاد حسين الكردي مع من بقي معه إلى جدة ولاحقهم البرتغاليين ولكن استنجاد قانصوه الغوري للعثمانيين وتلبيتهم لهم بالمساعدة مكن من طرد البرتغاليين من جدة، فبعد أن حصن حسين الكردي قواته في جدة وبمساعدة عدد من الأتراك العثمانيين والمغاربة الذين كانوا بقيادة الريس سليمان توجهوا نحو السواحل الهندية لإعادة السيطرة عليها من البرتغاليين ولكن رفض سلطان الطاهريين عامر الثاني بن عبد الوهاب تقديم المساعدة لهم وخيانتهم للمماليك جعل أسطول المماليك راسياً على شواطئ قمران (کمران مدة ثمانية أشهر منهمكا في بناء التحصينات الدفاعية، فبعد عودة حسين الكردي إلى اليمن قتل السلطان عامر بن عبد الوهاب آخر سلاطين آل الطاهر في اليمن – مع أخيه وبذلك أنهى حكم الدولة الطاهرية في اليمن عام ١٥١٧ وأخضع اليمن
كلها تحت حكمه. لم يدم الانتصار المملوكي على الدولة الطاهرية طويلاً بعد هزيمة المماليك في معركة الريدانية ١٥١٧ وسقوط دولتهم في مصر على يد سلطان العثمانيين سليم خان بن بايزيد سليم الأول)، وأصدر فيما بعد أمر من السلطان سلیم خان بقتل حسين الكردي حيث أخرج إلى بحر جدة وغرق هناك بعد أن ربط في ظهره صخرة سنة ١٥١٧. اضطر المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية، وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عبر تبعيتها السابقة للمماليك وبدأت معها مرحلة الفوضى بين مختلف القوى في اليمن فلم تتم السيطرة الفعلية للعثمانيين على اليمن حتى حملة العثمانيين الأولى على اليمن في ١٥٣٨ عبر إرسال قوة عسكرية بقيادة سليمان باشا الخادم (الأرناووطي) فأجبر من بعدها المماليك على الفرار. كان الكرد من مكونات الإدارية والعسكرية الرئيسية في الجيش العثماني الذي سيطر على اليمن ومازال هناك قرية باسم بيت الكردي تابعة لمحافظة محويت يرجعون بنسبهم إلى الكرد الذين رافقوا العثمانيين في تلك الحقبة الزمنية من خلال عدة لقاءات متلفزة معهم، حيث كان من قادة الجيش العثماني مثقال بن إبلاغ التركي و مصطفی حکمت باشا وعلي باشا العثمانيين. فتجد في مقربة من هذه القرية قرية بيت التركي أيضاً الذين ينسبون أصلهم إلى الترك العثمانيين. بعد أن أنهى سليمان باشا الخادم مهمته أسند حكم
اليمن للوالي مصطفى باشا النشار الكردي (١٤) واتخذ من مدينة زبيد مركزاً لولايته وهو أول من أطلق عليه لقب باشا وبكلربكي (10) في اليمن وقد حاول خلال فترة ولايته هذه إصلاح أوضاع اليمن ما أمكنه ذلك. استمرت ولاية مصطفى باشا النشار (١٦) الأولى خمسة أعوام (١٥٤٠) – (١٥٤٥)، أما ولايته الثانية فقد كانت في الفترة (1000) – 1001) وذلك بعد عزل اوزدمير باشا عنها. استمرت فترة حكم العثمانيين الأولى لليمن حتى عام ١٦٣٥ تخللتها انتفاضات وثورات من قبل الزيديين والإسماعيليين حيث كانوا يسيطرون على المناطق الشمالية من اليمن، إلى أن أعاد آل القاسم السيطرة على كامل أيالة اليمن بعد طرد العثمانيين منها وأسسوا الدولة القاسمية التي استمرت حتى عام ١٨٤٩ ليعود العثمانيون بالسيطرة عليها من خلال حملة أخرى.
وبرز من ولاة الكرد في العهد العثماني الثاني لليمن الوالي محمد باشا الكردي الذي حكم ايالة اليمن من ١٨٥٣ حتى ١٨٥٦ والوالي أحمد جميل باشا (۱۷) (۱۸۳۷) – (١٩٠٢) الذي أرسله السلطان عبد الحميد إلى اليمن لفض العصيانات حيث أخذ معه خيرة عساكر ديار بكر وعين والياً على اليمن لفترة من الزمن. وهكذا تتالت التطورات في التاريخ السياسي اليمني بعد انتهاء الوجود العثماني وبدء الاحتلال البريطاني ثم فترة المملكة المتوكلية التي عانى فيها الكرد منهم بسبب كره المتوكلين للعثمانيين، وهذا ما أصاب الكرد بالضرر، ومن ثم بدء مرحلة الجمهورية. ويُعرف من الكرد في وقتنا الحالي في اليمن : آل الكردي في قرية بيت الكردي التابعة لمحافظة محويت والتي يسكنها حوالي ١٥٠ عائلة كردية، وعائلة فيروز الكردية في إب، وهناك قرية الكرد التابعة لمديرية الدريهمي في محافظة الحديدة حيث يبلغ عدد سكانها ١٨٨٥ نسمة، وأسرة الكردي المعروفة في زبيد، وأسرة الكردسي في الجبين ريمة، وبيت الكردي في مدينة الحديدة ومنهم من بالاسم ذاته في الضحي. وهناك العديد من العائلات المذكورة تملك وثائق تؤكد انتسابها إلى الكرد وأن أجدادهم كانوا يعرفون الكردية.
الهوامش :
(1) وإليه تنسب الدولة الساسانية، وساسان هذا قد نسب إلى ساسان ابن إسفنديار، حيث أنه لما حضرت أباه المنية فوض أمر الحكم إلى ابنته، واشترى لنفسه غنماً وجعل يرعاها، وعُيّر بأنه راعي غنم، فقيل ساسان الراعي، وساسان الكُردي، وقيل أيضاً أنه كان ملكاً من ملوك العجم حاريه دارا ملك الفرس، ونهب كل ماكان له. [أحمد أمين، ظهر الإسلام، المجلد ١، ص ١٥٧]، وينسبهم الباحث الكردي مهدي كاكائي إلى عشيرة شوانكاره .. كان (ساسان) ينتمي الى العشيرة الكوردية (شوانكاره) الكردية اللذين كانوا يشتغلون في الرعي والزراعة وفي أواخر عهد البويهيين قاموا بتأسيس سلالة كوردية حاكمة باسم (أتابكة ملوك شوانكاره الكورد في فارس) ابن البلخي، فصل احوال شبانکاره و کرد و فارس طبع اوروپا، ص ١٥٠ – ١٥٣]، وباستناده إلى مصدر آخر يظهر بأن أفراد عشيرة (شوانكاره) ينحدرون من أردشير بن بابك مؤسس الدولة الساسانية) [إدوارد فون زامباور، ص ٣٥١ – ٠٣٥٢](۲) أنوشروان كسرى أو خسرو الأول ملك ساساني عرف بانشروان العادل انوشيروان دادگر و هو انوشیروان بن قباد بن يزدجرد بن بهرام نرم (اللين) .
(۳) اسوران قوة من سلاح الفرسان شكلت العمود الفقري في الجيش الساساني. (٤) وهرز أو بيريز قائد عسكري ساساني من أصل دليمي كردي.
(٥) وهو عبيلة بن غوث من كهف خبان، وقد أقنع قومه أنه نبي يوحى إليه.
(٦) فيروز الديلمي أبو الضحاك ، أمير، صحابي يماني ، ديلمي الأصل وهو من أبناء الديالمة الذين أرسلوا لقتال الحبشيين.
(۷) سيف الدين حكو بن محمد الكردي أحد كبار قادة الأيوبيين، حيث كان معروفاً بشهامته وقوته وشجاعته في الحروب فكان يؤدي مهمته على أحسن وجه، وهناك من يذكره باسم جكوا.
(۸) علم الدين وردسار بن بيامي الكردي الأمير، كان من أعيان امراء الأكراد ومن المشتهرين بالإحسان الأجواد مجمع الآداب في معجم الالقاب.
(۹) سلالة كردية حكمت اليمن بعد الأيوبيين، ويذكر المقريزي أن جدهم كان كردياً بدأ ظهورهم في اليمن مع السلطان طغتكين بن أيوب، أما الخزرجي فنسبهم إلى التركمان وأن جد الأسرة جبلة بن الأيهم استقر في
الأناضول.
(۱۰) بنو فيروز من أشهر الأسر الكردية التي ذاع صيتها في عصر الدولة الرسولية في اليمن، لمواقفهم السياسية ولمكانتهم الاجتماعية المرموقة، وقد سكنت هذه الأسرة في مدينة إب وجبل حبيش، واستوطن بعضهم منطقة بعدان.
(۱۱) الزيدية مذهب تعتبر جزءاً من الإسلام الشيعي، لكنه أقرب فقهيا إلى الإسلام السني، والحوثيون زيديون ولكن ليس كل زيدي حوثي، فالحوثية حركة إسلامية سياسية. BBC عربي.
(١٢) حسين الكردي هو الأمير الحسامي حسين الكردي أحد القادة المقدمين عند السلطان الغوري، كان كردياً دخيلا على طائفة المماليك الجراكسة، عينه السلطان قانصوه الغوري نائباً لجدة سنة ١٥٠٥.
( ۱۳) گجرات ولاية هندية في شمال غرب الهند.
(١٤) مصطفى باشا النشار بن بييكلي محمد باشا الكردي) وهو لقب تركي Biyikli وتعني ذو الشارب ولقب بالفاتح أيضاً لأنه فتح ديار بكر (اميد) وأخرجها من سيطرة الصفويين، ثم نال لقب أمير الأمراء Mire Miran وبنى في آمد جامع الفاتح باشا وتوفي فيما بعد في آمد عام ١٥٢١ وتوفي في باحة الجامع، كان مصطفى باشا النشار نائباً على غزة وفيما بعد تولى ولاية اليمن لفترتين منفصلتين.
(١٥) البكلربك (البكلربكية كانت عبارة عن وحدة إدارية كبرى في السلطنة العثمانية، يحكمها بكلربكي (والي) ويتبعه سناجق، ثم استخدمت كلمة إيالة بدلا منها لبعض الوحدات، وأخيراً حلت كلمة ولاية محل الإثنين [ جانكارلوا كازالي، رياس البحر الهندي عصر الاستكشافات العثمانية ترجمة : مصطفى قاسم، إصدارات عالم المعرفة الكويت آب ۲۰۱۸ م، ص ۱۶۸]
(١٦) لقب بالنشار لأنه كان في طريق الحج إذا وقع في يده سارق أو قاطع طريق ينشره نصفين كعقوبة على ما فعل النهروالي، غزوات الجراكسة والأتراك في جنوب الجزيرة العربية، الرياض، منشورات دار اليمامة، طا، ١٩٦٧ م، ص ٩٤. أحمد جميل باشا والي اليمن ومتصرف لسيرت، تم نفي عائلة جميل باشا بعد ثورة الشيخ سعيد، ومنهم أكرم جميل باشا وقدري جميل باشا من مؤسسي منظمة خويبون في سوريا.
المصادر:
- تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك، حققه : د. جمال الدين الشيال، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ١٩٥٥.
- د. جهان إبراهيم شار علي عبد الرحيم، حسين الكردي وحياته العسكرية (١٥٠٨م – ١٥١٧م)، جامعة الطائف ، ٢٠٢١. د أ. د. سيد مصطفى سالم الفتح العثماني الأول لليمن ( ١٥٣٨ – ١٦٣٥)، القاهرة، دار الأمين للطباعة والنشر والتوزيع، ۱۹۹۹
- د أ. ماجد يحي مجاهد لعجه حملة مصطفى باشا النشار على اليمن ١٥٥١م ، مجلة آداب الحديدة، العدد ، جامعة الحديدة، ٢٠٢١.
- د يحيى بن الحسين بن المؤيد اليمني، أنباء الزمن في أخبار اليمن، صححه : محمد عبد الله ماضي، برلين، ف. دى غرويتر، ١٩٣٦م.
- أبو شامة، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، وضع حواشيه : إبراهيم شمس الدين، بيروت دار الكتب العلمية، ٢٠٠٢م ، الجزء الثاني.
- محمد بن اسماعيل الكبسي اللطائف السنية في أخبار الممالك اليمنية، حققه : أبو حسان خالد أبازيد الأذرعي صنعاء، مكتبة الجيل الجديد، ٢٠٠٥م.
- الطبري، تاريخ الرسل والملوك تاريخ الطبري، بيروت دار الكتب العلمية، الجزء الثاني. – محمد يحيى الحداد، تاريخ اليمن السياسي، القاهرة دار وهدان للطباعة والنشر، ١٩٦٨م.
- ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، حققه: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، بيروت دار الكتب العلمية ١٩٩٥م، الجزء الأول. – أحمد أمين ، ظهر الإسلام، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ١٩٤٦م، المجلد الأول.
- إدوارد فون زامباور معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، إخراج الدكتور زكي محمد حسن بك و حسن أحمد محمود الترجمة : د. سيدة إسماعيل كاشف و حافظ أحمد حمدي و أحمد محمود حمدي ، بيروت، دار الرائد العربي، ۱۹۸۰ م.
- محمد بن عبد المنعم الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطاب، حققه: د. إحسان عبّاس، بيروت، مطابع هيد لبرغ، الجزء الأول، ١٩٨٤.
- ابن البلخي فارسنامه، حققه و ترجمه عن الفارسية: يوسف الهادي، القاهرة ، الدار الثقافية للنشر، ٢٠٠١م.
- عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الشافعي ابن كثير، البداية والنهاية، دققه: حنان عبد المنان، بيروت، بيت الأفكار الدولية، ٢٠٠٤م.
- د. محمد عبد العال أحمد الأيوبيون في اليمن، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب – جامعة القاهرة، ۱۹۸۰م. – بلال الطيب، إمامة المماليك والنساء، ۲۰۱۹ م، موقع الحرف ٢٨.
- علي بن الحسين الخزرجي، العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، صححه : محمد بسيوني عسل الفجالة مطبعة الهلال، ۱۹۱۱ م، الجزء الأول. – القاضي أبي عبد الله بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي السكسكي الكندي، السلوك في طبقات العلماء والملوك، حققه : محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي صنعاد مكتبة الإرشاد، ١٩٩٥م.