يتداعى مثل رمادِ آخر سيگارة…

خالد حسين

اللوحة الفنية للرسام النرويجي: إدوارد مونش ( ١٨٦٣١٩٤٤)

I
أحجارٌ هائلة
تتناثرُ تحت هذه الشهقة الزرقاء،
كائناتٌ تنضوي بعضها إلى بعض مذعورةً
هذه الأحجارُ المركونة للوَحْشةِ تغوصُ بصمتٍ في ألغاز الكينونة!

II
أَرْهَاط من الحكماء
الجلاميدُ العظيمةُ التي تفترشُ المكانَ على طريق دهوك ــ زاخو
بأجساد راسخة، بأهدابٍ يقظةٍ
تأتمنُ في خزائنها على ودائعِ الصّمت.

III
صدوعُ
اللُّغةِ
وشقوقها
مآوي الحيرة
حيث يمكثُ اللامرئيُّ زهرةً ملغزة.

IV
العدمُ،
العتمةُ،
السُّكونُ،
فطورُ القشعريرةِ السّامة
بهائمُ الصّمت الأثيرة التي تستبيحُ جسدَ الليل بشراهةْ.

V
النُّجومُ

أنينُ الصّمت في صرخته الأبدية.

VI
في
التضاريس الوعرة لليلِ
حيث الجرأةُ سيفٌ باهتٌ
يتخذَ الصّمتُ هيئةَ لبؤاتٍ تترصّدُ حظوظها.

VII
الغربةُ الآثمة
عزلةُ السُّهوبِ البعيدة،
شجرةُ اليأسِ في ربيعِهَا، الأسى الذي يغمرُ القلب، الرتابةُ بفتُورِهَا الثلجي…
مثل رمادِ آخر سيگارة يتداعى كائنٌ بهدوءٍ…

VIII

هكذا…
طعنةٌ كافرةٌ في الخاصرة، بالكاد أمشي على الفاصل الإسمنتي بين طرفي الأتوستراد: هل كنتُ في قامشلو أو تربسبيه؟
يتكثّفُ ألمُ الخاصرة، يتفاقم، يتضاعفُ بصورةٍ شنيعةٍ، أصرخ بقوة على العالم وبين يديّ لحاف ووسادة، حافياً كنت أسير، وجدتني بغتةً على ضفاف أرض مشبعة بشجيرات الخرنوب القصيرة في بيادر القرية من جهة الغرب.
ثمة امرأتان بجانبي إحداهما عن يساري بخطوةٍ متأخرة (أمي حيث تمشي في صمتٍ عميقٍ) وعن يميني تماماً جارتنا (قريبةُ أمي ورفيقتها الأبدية) تهمسُ بشيءٍ ما…
نظرتُ نحو الأمام واجهتني شاحنةٌ على بعد خطواتٍ قليلة تنتظرني، ساعدني السَّائقُ في الجلوس على رفّ خشبي يمتدُّ على الجهة اليسرى الخارجية للشّاحنة، وقبل أن يمدَّ ثلاثة أمراس خشنة وطويلة من آخر الشاحنة إلى أولها درءاً للسقوط كما قال بنبرةٍ متأسية، توسلتُ طفلاً هناك في الأسفل، كان ينظرً إليّ بدهشةٍ، أن يناولني علبة سكائري التي ظلّت على الأرض.
حينما التفتُّ ببطءٍ إلى يساري كانت خالتي في غفوةٍ عميقةٍ تتكىءُ برفقٍ على كتفي.
في حين، وعلى يميني تماماً، أمي ذاتها بآثار الوشم عل يديها المتصالبتين، أمي بنظراتٍ ثابتةٍ، صلدة تتأمّلُ العتمةَ المتخثرة أمامي…

***

اللوحة الفنية للرسام النرويجي: إدوارد مونش ( ١٨٦٣١٩٤٤)