أمل صيداوي

الطبيب
درس وتخصص ارتبط بأرض بلاده وأحبها وعشقها، ورغم العروض المغرية التي قدّمتها له بلاد الهجرة إلا أنه رفضها جميعاً كان يريد تأدية رسالته كطبيب جرّاح في خدمة بلاده وأهلها. عندما بدأت الحرب تفانى في عمله وواصل الليل بالنهار في أداء واجبه ولم يكن يحمل سلاحاً كان همه الوحيد هو إنقاذ الأهالي المصابين من الموت. داهم جنود الاحتلال المستشفى واعتقلوه بتهمة إرهابي وبعد بضعة أيام نشروا خبر وفاته.
ضدّ مجهول
البحث عن مكان آمن في غزة كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. عناق وبكاء ووداع. شبح الموت يحاصرنا يخنقنا أصوات انفجارات حولنا. تحوّل الطريق أمامنا إلى أرض حافلة بالشروخ والصدوع والأشواك والأفاعي التي تلدغنا ولا نملك ترياقاً يشفينا من سمومها. ركبنا صهوة التهجير تاركين بيوتنا وذكرياتنا وراءنا، وكأن الجلّاد يدفعنا إلى المشي فوق جمرمشتعل حاملين أمتعتنا القليلة التي جمعناها على عجل بعد تلقينا إنذار بمغادرة بيوتنا. السماء غطاءنا والصبربوصلتنا وفي رؤوسنا ألف سؤال بدون جواب هل يتوجّب علينا أن ندفع ضريبة إقامتنا بأرض آبائنا وأجدادنا وكأننا مستأجرين لدى سلطات الاحتلال ولسنا أصحاب الأرض الشرعيين؟ أين هي أصوات الحرية في العالم؟ هل يتوجّب علينا أن نكون قرابين على مذبح الحرية؟ هل علينا استجداء حريتنا؟ عند وصولنا إلى وجهتنا كان نصف رفاقنا قد قضوا نحبهم. قُيّدت جريمة قتل أطفالنا ونسائنا ورجالنا وشيوخنا ” ضد مجهول”.
في المستشفى
عند ارتباطها بزوجها شعرت أنها عثرت أخيراًعلى مفاتيح السعادة. كانت تعيش معه مطمئنة هانئة داخل جدران تحميها يرسمان معاً أحلامهما الوردية وأمل بأن يرزقهما ربّ العالمين بالبنين والبنات وبمستقبل رائع يفتح ذراعيه لتلك الأسرة السعيدة. بعد فترة انتظار طويلة للحمل عزمت هي وزوجها على استخدام تقنية طفل الأنابيب. اكتمل الإلقاح وزرعوا الجنين في رحمها كانت فترة الحمل أسعد الأيام في حياتها، تارة تتخيل نفسها تحمل رضيعها وتارة أخرى تلبسه أجمل الثياب وتأخذه في نزهة إلى شاطئ البحر. لكن فجأة بين ليلة وضحاها انقلب كل هذا رأساً على عقب السماء لم تعد صافية بل أصبحت ملبّدة بالغيوم ومضاءة بقنابل تهبط عليها، فتثير فيها الفزع. بعد استشهاد زوجها ضاقت الأرض عليها.
كانت الحرب قد بدأت لدى دخولها شهرها الثامن بالحمل عصف الخوف بكيانها على الجنين، وعندما داهمها المخاض ولدت طفلة رائعة لكن غربان الشؤم قصفوا المستشفى فاستشهدت الأم. عثر المسعفون على الطفلة الرضيعة وقد أصيبت بخدوش حيّة تُرزق على بعد أمتار من المستشفى.
حرب إبادة
الكون من حولنا سجن مظلم بلا تهوية. الطائرات مارد فولاذي القبضة والقذائف ذئاب تعصر أجساد البشر وتهرس عظامهم لاتدع أحداً يفلت من بين أنيابها وغزة كعروس ذُبحت في ليلة عرسها. رهن المحتل دم الغزاوين ليرتوي بامتصاصه. تناثرت الضحايا هنا وهناك. تلألأت نجوم الصاعدين إلى السماء كلّ نجمة تسطع مساء فتنير ظلمة دروب الناجين الباحثين عن مأوى بعد أن دمّرت بيوتهم واستشهد معظم أفراد أسرهم.
خطابات تأييد للقضية
كل الإخوة كانوا يمطرونا بوابل من الخطابات التي تؤكد محبتهم لنا وحرصهم على تحريرنا من المحتل ومساعدتنا في بناء دولة قوية. حين أمعن المحتل بقصف بيوتنا وقتل أبنائنا وتجويعهم قام إخوتنا بإرسال أكفان تساعدنا في دفن شهدائنا، كما سارعوا بإقامة المهرجانات وطقوس الفرح على جثث ضحايانا.